المسافة بين نواكشوط وأبو ظبي تعد بآلاف الأميال حقيقة، لكنها في الوقع أقرب من ذلك بل هي صفر فاصلة على اليسار، بالنظر إلى ما يجمع الشعبين الشقيقين الموريتاني والإماراتي من مشاعر المحبة وأواصر القربى ووحدة العقيدة ووحدة المذهب، وبالنظر كذلك لعلاقة العون والتعاون والمصالح والمنافع المشتركة التي دل عليها تواتر العمل في ميادين متعددة منها: الأمن والقضاء والتجارة والسياحة والثقافة والعمالة، وفي الإمارات جالية موريتانية معتبرة من الأطر والخبراء الأكفاء في مختلف الميادين.
وهذه العلاقات قديمة معاصرة لسنوات الاستقلال والحصول على السيادة في كلا البلدين، وقد تطورت وفق ما خطط له ورسم معالمه القائدان: صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والرئيس المختار ولد داده رحمهما الله تعالي، فما يتحلى به الرجلان من العزم والصبر والحكمة وبعد النظر ساعدهما على تجاوز المصاعب والعقبات العديدة التي واجهت كل واحد منهما على مستوى الوحدة الوطنية والبناء الاقتصادي والثقافي، مع أن لكل من البلدين مميزاته الخاصة بشريا وجغرافيا ودستوريا.
فالإمارات العربية المتحدة دولة اتحادية، بينما موريتانيا دولة وحيدة أي دولة بسيطة غير مركبة (Etat Unitaire).
ثم إن القيادات السياسية المباشرة للسلطة بعد القائدين لم تبخل بأي جهد ينمي ويطور الروابط على المستويات كافة المالية والاقتصادية والإنسانية والعلمية.
وفي هذا السياق فإننا نذكر ونقدر عاليا لدولة الإمارات العربية المتحدة ما أحاطت به صاحب المعالي فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن بيه إمام علم المقاصد ومجدد العصر رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، من تكريم واحترام لمكانته العلمية حيث أسندت إليه رئاسة أرفع منصب علمي شرعي لديها، أعني رئاسة مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي.
وفي هذا السياق أيضا جاءت رحلتنا إلى أبوظبي بدعوة مشكورة من فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه لحضور الملتقى الثامن لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة.
أولا: نواكشوط ـ دكار:
كان السفر على متن الخطوط الجوية الموريتانية، حيث كانت الطائرة نظيفة ومجهزة بوسائل الراحة المتعارف عليها، ولم تستغرق الرحلة سوى 45 دقيقة.
وكان الجو صحوا والطاقم أنيق محافظ.
وبمجرد الوصول إلى مطار دكار الدولي بدأت سلسلة من المتاعب والتعقيدات ما كان لها في الحقيقة أن تقع في دولة شقيقة معروفة بالانفتاح الثقافي والضيافة الإفريقية.
فجوازك الدبلوماسي وتذكرة الطائرة المحجوزة على درجة رجال الأعمال ووضعك كعابر Transit ، كل ذلك لم ينفع في مطار "دكار ابليز د جان" الدولي: صعود وهبوط وصعود وحواجز تفتيش لا حصر لها، ولا يتردد أحدهم في التحدث إليك باللغة الولفية؟
إنه يوم كامل من المتاعب التي لا نقول إنها متعمدة بشأننا إلا أنها في الحقيقة مخالفة للمسلكيات المتعارف عليها.
وهنا تذكرت بيتين للشاعر العظيم أمية بن أبي الصلت حيث يقول:
لا تضق بالأمور ذرعا إن في الصبر حيلة المحتال
فربما تجزع النــفوس لأمر له فرجة كحل العقــال
ثانيا: دكار ـ دبي
وفي المساء وصلت طائرة شركة الإمارات وطلبوا منا الصعود إليها وبذلك انتهى انتظار دام من الساعة 11 صباحا إلى غاية 5:30 مساء.
داخل الطائرة ساد شعور بالراحة والاطمئنان فالطاقم على متن هذه الطائرة مهذب لبق والمقاعد مريحة يمكن تعديلها لتتحول من مقعد إلى سرير.
وبعد الإقلاع أخذت الطائرة مسارها فوق الأراضي الموريتانية من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي.
وفي هذه الأثناء خطر ببالنا بعض من قواعد القانون الدولي العام، التي تنص على أن ما يعلو إقليم الدولة من سماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يعتبر من إقليم الدولة يجوز لها أن تبسط عليه سيادتها وقوانينها الخاصة، وقسم يعرف بالمجال الجوي الدولي حيث لا سيادة لدولة عليه، والقسم الثالث هو الفضاء الخارجي الذي أصبح مسرحا للتجارب والأقمار الاصطناعية والسفن والمسابير العلمية.
وداخل الطائرة تم تقديم الطعام بكميات كافية، مع الشاي والقهوة والجبنة الفرنسية، وبعد ذلك خفت حركة المضيفات وانطفأت المصابيح الأساسية، أما درجة الحرارة خارج الطائرة فكانت 52° تحت الصفر على ارتفاع 10000 متر.
ولك أن تشاهد على ظهر المقعد الذي أمامك الصور والأفلام ومسار الطائرة جوا.
وفي حدود السابعة والنصف صباحا بدأت الطائرة بالهبوط صوب مطار دبي الدولى.
ثالثا: دبي ـ أبو ظبي
وهنا بدأت رحلة ثالثة مشيا على الأقدام، فمطار دبي عبارة عن قرية كبيرة بسقف واحد، وحيث المسافرون يتدفقون من أنحاء العالم كافة.
وهنا لابد لك من رصيد معقول من اللغة الإنجليزية تسأل هذا وترد على ذاك، إلى أن تصل إلى شبابيك الشرطة الإماراتية، وبعدها التوجه نحو قاعة الأمتعة، وبالمناسبة فإنها ليست قاعة واحدة، بل قاعات متعددة لكل منها رقمها الخاص.
وبعد ذلك تبدأ رحلة مطار دبي ـ أبو ظبي بالسيارة على مسافة 150 كلم، حيث لا وجود لمساحات فارغة بل هي عمارات شاهقة وجسور متواصلة، ونخيل وأنفاق...إلخ
وبمجرد الوصول إلى الفندق بدأت الراحة الكاملة.
وهنا يحضرنا قول الشاعر:
قل لمن يحمل هما إن هما لا يدوم مثلما يفنى السرور هكذا تفنى الهموم.
د. إسماعيل إياهي أستاذ جامعي سابق
|