قمة "التحدى"..!! /حبيب الله ولد أحمد |
الأحد, 17 يوليو 2016 22:33 |
تستعد نواكشوط لاحتضان القمة العربية في دورتها الجديدة، وهو استعداد حقيقي لاستقبال إخوة وأشقاء، كان حضورهم إلى نواكشوط خيمتهم العربية الواحدة ـ الضاربة إطنابها بين الرمال الصقيلة والأمواج الهادرة ـ حلما راود كل الموريتانيين ـ ومنذ جيل التأسيس ـ الذي كافح بصبر وأناة ليجد للجمهورية الإسلامية الموريتانية موطئ قدم مستحق بين أشقائها في الدين والدم والتاريخ والمصير في الجامعة العربية، وهو كفاح اعترضنه مطبات كثيرة، لكنه في النهاية تحقق، كبزوغ فجر بعد ليلة مظلمة عاصفة. هذه القمة هرمت في انتظار لحظتها هذه أجيال من الموريتانيين الذين قدم بعضهم في سبيلها أرواحا، ودموعا، وأضلاعا، وأظافر، وحشرجات، وجراحا لا تندمل، وعذابات تأبى النسيان، في زنزانات الشرطة في نواكشوط، وأطار، ومكطع لحجار، ولعيون، وروصو، وغيابا في المنافي الموحشة لخيرة شباب موريتانيا، وأكثرهم نبلا ووطنية وصدق انتماء للعرب الفخورين بملامحهم الإفريقية اللاحمة، وتسريحا وتشريدا لعشرات الجنود، والضباط، وضباط الصف، الذين كانت جريمتهم الوحيدة أنهم حلموا بمضارب الأهل، وحمحمات خيولهم، ومجالسهم العطرة، وصليل سيوفهم التي تصقلها شمسهم الدافئة عبر الزمن. اليوم تلبس نواكشوط حلتها القشيبة، كعروس بدوية تتزين بأفقر المتاح لها في صحراء لا تمنحها سوى أنفة حد الشمس، ورمال ذهبية، وقمر لا يؤمن بالمغيب، يخرسها الحياء، ويخفى جمالها الوراثي منذ الأزل، ويقفز بها الشوق للقاء الأحبة، وتتماهى زينتها نصا وجوهرا مع جمالها الخفي الأكثر بساطة، والأقوى بقاء ونقاء وجاذبية. أنا لست غبيا لأسميها قمة "الأمل"، فيكفيها أن تكون قمة "نواكشوط"، أو "قمة التحدى"، فلا أمل ينتظره الشعب العربي من قمة سبقتها عشرات القمم المخيبة للآمال، حتى في زمن باسقات النخيل المختار، وعبد الناصر، وفيصل، وصدام، وعرفات، والقذافى، وبن بله، وزايد، وغيرهم... ليس لدينا في موريتانيا عصا سحرية نضرب بها حجر "القمة" لتنفجر منه اثنتا عشرة خطوة استثنائية لتحرير الأرض، والدفاع عن العرض، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من وطن عربي يتقاسم الغرباء أرضه وسماءه، وماءه ومرعاه..!! إننا مطالبون فقط ـ وهو جهد المقل ـ بان نرفع التحدي و ننجح في تنظيم القمة تنظيما جيدا، وأن نحيط ضيوفنا، وإخوتنا، وأشقاءنا، بكل ما هو متاح لدينا من سبل الراحة والطمأنينة وأجواء الود والتصافي، والراحة "النفسية" سياسيا وأمنيا ولوجستيا.. إن هذه القمة ليست قمة محمد ولد عبد العزيز، ولا حزب الاتحاد، ولا الأغلبية، ولا المنتدى، ولا التكتل، إنها قمتي وقمتك، وقمة صمب، وهاوا، ودمب، ومحمذن فال، واصوينع، وهمر، وجوب، وماقا، وريحانه، وكان، وسيراخى، واعمر، وفاطمة السالمة، واطعيميزه، ورمظان. هي قمة نواكشوط، وروصو، وألاك، وكيهيدى، والنعمة، وأطار، وكيفه، وتجكجه، وسيلي بابى، وازويرات، واكجوجت، ونواذيبو، ولعيون. هي قمة العربي الأبيض والأسمر، قمة الولفي، والبولاري، والصوننكي، قمة نهر الجنوب، وجبال الوسط، وبطاح الشرق، ونخيل الشمال، ومحيط الغرب الهادر. إننا مطالبون بأن نكون موريتانيين موحدين، نضع على "الصامت" كل خلافاتنا السياسية، حتى نودع الضيوف، وهذه عادة موريتانية عربية إفريقية بدوية جميلة، فالضيوف عند حضورهم لا صوت يعلوا فوق صوت الترحيب بهم، ولا رائحة فوق رائحة "الشواء"، و"الشاي الموريتاني" المعتق والمنعنع كـ"خمرة أبى نواس"، وأقداح "اللبن" و"التمر" وكؤوس "بيصام"، و"كينكيليبا"، ووجبات "الأرز ملحما"، و"مبخلا"، و"مسمكا"، و"مدا من العيش مملوحا وميدوما"، وما طاب من "هاكو"، و"نييرى بونا"، و"كرو"، و"سوبوكاندى"، و"دامودا"، و"العليشه"، و"مافه" و"المتكاوده و "داتو".!! لا رهان لنا إلا على نجاح القمة تنظيميا على الأقل، إن رفع تحدى نجاحنا في التنظيم أولى من بكائنا على أمل كاذب، بأن تحقق قمتنا ما عجزت عنه كل القمم السابقة، وفى ظروف أقل تعقيدا من الآن عربيا وعالميا. لن تحرر قمة نواكشوط فلسطين، أقسم لكم بذلك، لن تطرد الدخلاء والغرباء من العراق وسوريا واليمن، لن تعيد الزيتون والنوارس الحالمة لشطئان القاهرة وتونس وطرابلس، لن توحد السودان، لن تمنح الصحراويين مقعدا يليق بهم، لن تلتفت إلى الأحواز العرب المذبوحين في إيران، لن تعيد سبتة ومليلية لحضن المغرب، ولن تعيد لموريتانيا جزر الخالدات.!! قسما عظما أنها لن تزيد على إصدار بيان خجول، هو نفسه الذي أصدرته كل القمم السابقة التي لم ترض صديقا، ولم تغظ عدوا، باستثناء قمة الخرطوم ولاءاتها الشهيرة، وقمة بغداد صدام وزئير أسدها الذي سيظل يتردد مدى الزمن كبرياء وعروبة حقة تخالط اللحم والعظم والثرى.!! إن الجامعة العربية ميتة سريريا، ولا سبيل لإعادة الحياة إليها، فهي ببساطة ملف حقائبي مهمل في درج منسي قصي، بوزارة الخارجية المصرية، هكذا عهدناها و"خزرة" المجنون لا تبارحه..!! نحن لن نزرع في البحر، ولن نطلب ما لا طمع فيه، لأن ذلك سوء أدب مع الله، ونعرف أن قمتنا لن تكون إلا قمة عربية فاشلة مسبقا ووراثيا، فنحن نعرف "حميرنا الخضراء" جيدا، لكن ذلك لا يمنعنا من الدعوة لإنجاحها على الأقل تنظيميا، وعلى الأقل برؤية ابتسامات ود عربية متبادلة ـ ولو عابرة ـ فهؤلاء مهما كانت حماقاتهم ومهما جبنت خيولهم أهلنا وربعنا وامتدادنا وظلنا الظليل، حتى لو دبت الفتنة بينهم، واحترقت كل المراكب والمضارب، واسودت كل الدروب في وجوههم، فهم القدر الجميل الذي تعلمنا منه أن ننهزم اليوم لتملأ خيولنا وسيوفنا ساحات الوغى غدا، تحمل بشارة تدفق حياة لا تنقطع، ولن تنقطع من أول رجل عربي، إلى آخر رجل عربي، ولسنا لؤماء لنبكى كبوة جواد عربي، أو حظا عاثرا لزمن عربي غادر، أو استراحة محارب عربي لا يستسلم أزلا، ينتصر، أو يموت، ولعمر المختار، وصدام حسين ألف تحية. إن علينا التعالي على كل الجراح والحزازات العابرة، والالتفاف خلف جيشنا، ورجال أمننا، وكل أبنائنا الذين يصلون الليل بالنهار لإنجاح قمة التحدي، في عاصمة التحدي، عاصمة الشعب الأكثر قدرة في العالم على الصبر والتسامح والجلاد، ونحت إرادة الحياة من جلمود صخر الفناء والاندثار. هناك داخل البلاد وخارجها من يريد لنا أن نفشل في رفع هذا التحدي، وجوابنا ـ بأفواه ثلاثة ملايين من الموريتانيين ـ "خاب رهانكم ولتموتوا بغيظكم الحاقد". لنرحب بكل ضيوفنا وبدون استثناء، بعبد الفتاح السيسي، بعباس محمود أبو مازن، بفائز السراج، بمعصوم، بعبد ربه، بسلمان، بالبشير، بالباجى، بالقادمين من جزائر الجهاد، ومن مغرب الرباط، ومن الصومال، وجيبوتى، وإمارات الشيخ الكبير زايد بن سلطان، ومن سلطنة عمان، والأردن الهاشمية، وجزر القمر، ولبنان، والكويت، وقطر، والبحرين. يجب أن يجد كل ضيوفنا ومن بينهم يقينا أفارقة أشقاء، وآسيويون وأوروبيون أصدقاء، الترحيب المستحق على أرض المجد والعزة القعساء وكرم الضيافة، بلد الجبال، والجمال، والرجال، والشمس، والماء، الجمهورية الإسلامية الموريتانية (وكل ما قلتها تغرورق المقل). وليكن واضحا للجميع أن قمة نواكشوط ليست يوم العرض الأكبر، ولا يوم يتسلم رئيس عربي كتابه بيمينه، أو شماله، ولا يوم تثقل موازينه، أو تخف، ولا يوم تسرع به عدالته أو تبطئ به ديكتاتوريته..!!. نحن لسنا قضاة، فالديكتاتوري القاتل في بلده لسنا نحن من يقولها له ويعامله على أساسها، والخليفة العادل في بلده لسنا نحن من يقرر أنه كذلك ويعامله على أساسه. لسنا محكمة جنايات دولية ولا "أنتربول"، وهذه قمة وليست جلسة محاكمة، ولا ميدانا لتصفية الحسابات و"صراع الثيران". نحن نستقبل فيهم مواطنين عربا يمثلون ألوانهم الوطنية، وشعوب دولهم، بغض النظر عن شرعية تمثيلهم لتلك الشعوب، بل حتى بغض النظر عن تغييرهم للألوان الوطنية العريقة لشعوبهم وأوطانهم كما حدث في العراق وليبيا مثلا..!! نحن في نواكشوط، ولا نوزع صكوك الغفران، ولا نسم أحدا على الخرطوم، ولا على "القاهرة"، ولا نمنح مقاعد في الجنة أو النار لأي كان، لن نجمع الحطب، ولن نصب الزيت على النار، ولن نضع الملح على الجرح، نحاول أن نوحد لا أن نفرق، وحسبنا أجر الاجتهاد إن أخطأ صاحبه فلا أمل ـ في الأفق المنظور على الأقل ـ في توحيد العرب إلا لحظة غداء أو عشاء، أو بساط أحمر، أو حفل ماجن، أو ابتسامات مصطنعة لحظة صورة جماعية، أو لحظة قراءة بيان ختامي مستنسخ كالنعجة "دولى" قدس الله سرها، لا يساوى قيمة ثمن الحبر الذي كتب به والورقة التي سحب عليها. ويتطلب رفع تحدى النجاح في تنظيم القمة "لا في مخرجاتها المخيبة للآمال سلفا" من السلطات الأمنية بسط السكينة العامة، والضرب بيد من حديد ونار ـ وبدون شفقة ـ على رأس كل من يحاول التشويش على القمة مهما كانت شعاراته وإطاراته وانتماءاته ومطالبه، حسدا من عند نفسه، أو تنفيذا لأجندات محلية أو خارجية مشبوهة، حاقدة وعمياء..!! إنها لحظة وطنية قومية يجب أن تخرس كل الأفواه الناعقة ضدها. إن "البيظان" لديهم مثل حكيم يقول "إن ضربتين متزامنتين على الرأس لا يمكن تحملهما" (خبطتين فالراص ما يخلطو)، ولذلك يجب أن لا نستقبل على رؤوسنا ضربة طبيعية ومنتظرة، يمثلها الفشل الوراثي البديهي للقمم العربية (وقمتنا لن تكون استثناء بكل تأكيد)، وضربة أخرى يمكننا تفاديها والنجاة منها ببساطة، يمثلها الفشل في تنظيم وتأمين قمة نواكشوط العربية الفارقة في تاريخ الكيان الوطني الموريتاني المعاصر.!! لنرفع التحدي، ولتنجح قمة نواكشوط ولو في إغاظة الذين ينفثون قريبا منها في العقد، للعمل على إفشالها، وإرباك كل الخطوات المقام بها محليا لإنجاحها |