حديث الاثنين :الحرمان ليس ممارسة ضد شريحة معينة فحسب/ محمد المصطفى ولد سيدي ولد أهل اعل
الثلاثاء, 29 أبريل 2014 20:05

عزيزي القارئ يتأسس التواصل في هذا النمط من الكتابة على ثلاثة أبعاد المرسل (الكاتب) ورسول (نص) ومرسل إليه (متلقي ) وفي هذا الفضاء المتسم بالجدل والتفاعل وإعادة الإنتاج يصبح للحديث معنى بين طرفين اثنين،وتيمنا بالاسم اخترت الاثنين  زمنا لهذه الإطلالة  ما شاء ربك،معتذرا منك عزيزي عن ممارسة الاستبداد في فعل التسمية شكلا مع أنك المحتكر الحقيقي للاسم والوصف والنعت ،الذي قد يتبلور في ذهنك إذا ما تفضلت وقررت منح جزء يسير من وقتك تجاوبا مع عنوان أو تفاعلا مع فكرة أو رؤية أو سؤال أثاره النص  في نفسك  فحاولت الرد بالجواب أو الاعتذار بقوة الصمت . من أين يبدأ المرء حديثه عندما يتكلم عن المعاناة معاناته كشخص يود أن يساهم في رسم لوحة تعبر بصدق عن معاناة جيل بل أجيال وفصائل  من هذا الطيف المقهور من البشر بفعل القوة العاتية التي لا تستند إلى ضمير عندما تقتل بذور الخير في النفوس وقد تَسْحَقُ البشر ككيان بالرصاص وبدم بارد!!

أبعاد اللوحة متعددة الزوايا ومتسعة الآفاق لا تكفيها المجلدات ولا الموسوعات لتعطينا صورة عن الحيف الذي يمارسه الإنسان ضد أخيه الإنسان في سياق ملحمة كونية يصبح في النهاية ضحاياها من الجميع . من نقطة الضعف أنطلق حيث كانت انطلاقة  الإنسان،هويتي أنا المجهول من طرف أغلبكم : مواطن من هذا البلد من ولاية لعصابة ومن مقاطعة كرو بالتحديد كانت لحظة الضعف في حياتي عندما اقتربت من العشرين من العمر 1980م تتمثل في قرار دخول معترك الحياة من بوابة الدراسة بلا زاد معرفي يذكر لم أكن من طلاب المحظرة الناجحين ولم يتح لي دخول المدرسة إلا لسنة واحدة كان زادي الحقيقي بعد الاعتماد على الله تعالى أبيات من نظم عبيد ربه في النحو درستها على شيخ جكني متميز يدعى السادات بن حين بالإضافة إلى بعض الإلمام بكتب تراثية وعصرية قليلة كنت أقرؤها بنهم شديد،كانت وجهة شباب المقاطعة وموسم هجرتهم في ذلك الزمن هي المغرب في السنة المذكورة آنفا ذهبت إليه  وفي مدينة تطوان  المطلة على ضفاف المتوسط سجلت في السنة الثانية من الإعدادية نجحت لكن صعوبة الجو والحال فرضت علي أن أختزل المراحل وسجلت في ثانوية القرويين بفاس وفي السنة السابعة (الباكولوريا) 1981 ـــ 1982م نجحت بأعجوبة فمن بين ما يزيد على 700 مترشح نجحنا 7  أو9 أشخاص لا أكثر كنت الوحيد من الموريتانيين الذي نجح في الدورة الأولى وكان عددهم 12 مترشحا جُلُّهم أمضى العديد من السنين كان هذا يعني بداية مشوار ناجح ولا كن لا يدري المرء ماذا تخبئ له المقادير بشكل عام سار المسار الدراسي بشكل مقبول في سنة 1987م تخرجت بشهادة المتريز من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط (جامعة محمد الخامس) بتقدير(مستحسن). وفي فبراير 1991 م حصلت على دبلوم السلك العالي (الماجستير) من المدرسة الوطنية للإدارة بالرباط وكنت الأول من الموريتانيين في الترتيب بالإضافة إلى حصولي على مؤهل جامعي في القانون من كلية الحقوق في انواكشوط،عدت إلى الوطن  قبل انطلاق الحراك الديمقراطي في عهد الرئيس معاوية وكل من تخرج معي أو بعدي بقليل تم توظيفه إلا أنا،رغم أني أنتمي لأسرة كبيرة ليس بينها شخص يتقاضى راتبا من الوظيفة العمومية،ولَّد هذا في نفسي جرحا كبيرا وقررت الدخول في معترك السياسة المحلية في كرو سنة 1993م شاركت في الانخراط في لائحة بلدية تبناها الحزب الجمهوري، لم تكن لائحة إجماع إنما كان حولها توافق وعندما اجتمعت الأطراف المشكلة لها وكانت ثمة لائحة منافسة احتكم الناس إلى المقادير من خلال تبني آلية القرعة ،فيما عدا مقعد العمدة  وخدم الحظ الاسم وكنت الأول في الترتيب تنقلت بين اللوائح مترشحا وداعما ومستجديا للحصول على وظيفة ما؟ لكن الأمر لم يَعْدُ كونه سيرا في دوائر مغلقة للخيبة بعد الخيبة بعد الخيبة والإحباط بعد الإحباط . قاد في النهاية إلى حظ عاثر سنة 1997م حيث أصبت بصدمة نفسية،وأياما كان المسؤول معاوية نظامه أعوانه رموز اللوائح والجهات رحلوا وبقيت ككل مواطن ضحية على أديم هذه الأرض فارغ الجيب لكن أبيض اليد مرتاح الضمير مؤمن بقضاء الله وقدره . بعدها انطويت على نفسي وأصبح تواصلي منحصرا مع الأقارب وأصدقاء خاصين وكان علي أن أنتظر ذهاب عهد بكامله هو عهد ولد الطَّايع معاوية الذي استمر أكثر من واحد وعشرين سنة خمسة عشر منها عشت عاطلا وهذه المرحلة هي الأزهى بالنسبة لكل إنسان في الثالث من أغشت  2005م ذهب معاوية وبقيت الذكريات وانتعشت آمال ولكن بالنسبة لي فإن البحث عن وظيفة أصبح يعني التشبث بغصن يابس في أرض جرداء بعد تشكيل الحكومة كان هناك وجه جديد من المنطقة وعادة يهتم السياسيون بالحسابات السياسية والمقايضات ولكن هذا الوزير تعامل معي من باب المروءة وساهم في فتح نافذة أمامي من خلال توفيره وظيفة صغيرة في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية حيث جرى اكتتابي مراقبا وجرى تعييني رئيسا لقسم البحث ثم بعد فترة وجيزة أستاذا متعاقدا بمرتب أستاذ ثانوي .. لكن ما الفائدة من سرد واستعراض هذه السيرة القاتمة على الأقل في بعض جوانبها ؟؟ هناك عبر،ودروس البعض أحتفظ به لنفسي لحكمة خاصة وأما البعد العام فيتمثل في : ــ غياب العدل وتكافئ الفرص بين المواطنين . ـــ خطورة البطالة ومضاعفاتها . ـــ الشهادات الكبيرة لا تجدي نفعا . ــــ المقاربة اللَّا إنسانية لمشكل البطالة حيث تتم معالجتها انطلاقا من معيار حاجة السوق . ـــ عدم وجود مسطرة عادلة للاكتتاب،هناك من يقضي العمر كله  عاطلا وهناك من يتم توظيفه بعد التخرج مباشرة،رغم أنه في  بعض الدول يتم توظيف الناس حسب الأسبقية في التخرج . وأخيرا يطرح سؤال نفسه ما المطلوب ؟ بالنسبة لي لا مطالب شخصية إذ فات الأوان لكن بالنسبة لشباب البلاد،كل ما أستطيع أن أقوله هو خلاصة تجربتي في الحياة تلك الخلاصة التي أحدث بها في نهاية كل سنة دراسية تقريبا طلبتي ومن روافد متعددة استقيتها وعلوم شتى استخلصتها،ومفادها أن الحياة صراع بين الحق والباطل،بين المُحرَّم والمباح وبين الغرائز والقِيَم على مستوى الفرد والجماعة والعزيمة والإصرار هي سلاح الشباب في مقارعة التحديات فعلى مستوى كل فرد خصوصا الشباب هناك حلمان: ـــ حلم فردي إذ يتوق الإنسان إلى تلبية رغباته ومتطلباته ساعيا إلى الرفع من مستواه المعيشي ومعزِّزا موقعه الاجتماعي إلى جانب : ـــ حلم ديني أو أخلاقي يسعى الفرد من خلاله إلى تحقيق مُثُله العليا (دينية أو أخلاقية أو قِيمية ) قد يضحي الفرد بذاته من أجل تلك القيم،لكنه قد يضحي بهذه القيم مجتمعة من أجل نزوة عابرة أو رغبة جامحة في تحقيق الحلم الشخصي ! إنه الصراع بين الرغبات والمُثُل،بين القناعة والجشع،وإذا ما تمكنت عزيزي الشاب يوما من تحقيق حلمك الفردي وجلست في الحديقة الخلفية لبيتك الجميل الذي بنيته ليس بعرق جبينك وإنما بمال حرام يعد ثمرة لخيانة أمانة أو ثمنا لوشاية بصديق أو تنكرا لمعروف أسدي إليك يوما ما أو خيانة لمبدء وصحا ضميرك فجأة ستشعر حتما بعقدة الذنب وإذا تطلعت إلى المرآة فإن وجها كالحا غير وجهك النضر ستطفوا قسماته أمام البصيرة وإذا لم يصحوا ضميرك فتلك مُصيبة أعظم . بين الإفراط  والتفريط يقع معظم  الناس عسى الله أن يوفق الجميع للاعتدال والهداية  إلى نقطة التوازن . وإلى لقاء آخر . دمتم ودامت موريتانيا بألف خير. الأستاذ : محمد المصطفى ولد سيدي ولد أهل اعل  أستاذ متعاقد بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، مادة التربية وعلم النفس . 

 

رتل القرآن الكريم

إعلان

إعلان

فيديو

الجريدة

إعلان