مـا أغرب السياسة في بلادنـا |
الخميس, 06 ديسمبر 2012 18:28 |
بقـلم: حــسنــي ولـد شـاش السياسة هي فن الممكن كما هو معروف، ولهذا الفن مدارسه ومذاهبه الكثيرة، وليس كل من مارس هذا الفن لسنوات طويلة يصبح سياسيا ناجحا، يشار إليه بالبنان، فالموهبة هي مفتاح هذا الفن مثل غيره من الفنون الأخرى، فبدون الموهبة يستحيل التألق ثم الصعود إلى أضواء عالم النجومية والشهرة. وفي بلادنا شهد فن الممكن هذا إقبال عليه جل مجتمعنا، برجاله ونسائه، بشيوخه وشبابه، بأغنيائه وفقرائه، بأذكيائه وأغبيائه، بمتعلميه وأمييه، الكل جاء طمعا في النفوذ، وفي الثراء السريع، وقد تحقق للبعض ذلك، وأخفق دونه البعض الآخر، لأسباب كثيرة أهمها وكما قلت "الموهبة" فهي التي أوصلت سياسيينا إلى ماهم اليوم فيه من نفوذ وثراء، خلال فترة قصيرة، وكانوا بالأمس القريب أشد الناس فقرا وفاقة وبؤسا. ومن المعروف أن أساليب هذا الفن كثيرة لا تحصى، وسنكتفي هنا بذكر بعضها:( الكذب، والنفاق، والخديعة، والمكر، والدهاء....إلخ) فكل هذه الأساليب لا تجتمع إلا في السياسي الموهوب، وهذا لا ينفي نجاح أشخاص قلائل في المجال السياسي عن طريق الصدفة، وليست لديهم دراية كافية في هذا الفن الذي هو سر نجاح السياسي في سائرالبلدان، وفي بلادنا خاصة. والسياسة أيضا وكما هو معروف، غريبة الأطوار، تقارب وتباعد في لمح البصر بين محترفيها حسب المصالح، فصديق اليوم عدو الأمس، وعدو الأمس صديق اليوم، ولا جدال أيضا في أن السياسة هي وقود الديمقراطية، ومرتكزها الوحيد، فبها يتمكن السياسي الموهوب من التأثير على قواعد الشعب الإنتخابية، ليصل إلى أعلى مراتب الدولة، وما دون ذلك من مناصب سامية. وأغرب غرائب السياسة في بلادنا ما نشاهده اليوم أمامنا على منبر"خشبة" منسقية المعارضة، فمن منا كان يتوقع أن يشهاد في يوم من الأيام، جميل منصور بجانب أحمد ولد سيدي باب، وولد سيدي باب بجانب أحمد ولد داداه، وولد داداه بجانب أعل ولد محمدفال، وولد محمدفال بجانب صالح ولد حننه، وكأن شيئا لم يكن بين تغلب وبكر، وقد تبخر عطر منشم مع رياح الزمن السياسي. هذا المشهد المتناقض في كل تجلياته يعود بذاكرة من يراه إلى عهد الرئيس معاوية، أيام كان أحمد ولد سيدي باب يعتبر جميل منصورشخصا مارقا، وخارجا على القانون ، ولا يجالسه من الناس سوى اليائسين المتطرفين، لأنه يصف ولي "النعمة" عبر قناة الجزيرة بالرئيس الفاسق، وكذلك كان التناقض شديدا بين ولد سيدي باب وولد داداه، فكل منهما كان يقارع الآخر، ولا يتورع عن ذكره بما لايليق من الألفاظ، فكان ولد سيدي باب يتهم ولد داداه بولائه للغرب، وبأنه عاد إلى موريتانيا بعد غياب طويل حاملا لشعبها أفكارالمستعمرالبغيضة، فيرد له ولد داداه الصاع صاعين متهما إياه بنهب خيرات هذا الشعب الفقير، ومتهما الرئيس ولد الطايع بأنه فتح أبواب خزائن الدولة، وما عندها من ثروات أمام مطامع رجال أعمال قبيلته، لينهبوا ما في باطن الأرض من معادن، وما في باطن البحر من أسماك. ولم يسلم الرئيس أعل ولد محمد فال في عهد ولد الطايع من لسان ولد داداه الذي كان يلقبه بجلاد الشعب، وبغير ذلك من النعوت القمعية والإستبدادية، وكان ولد محمد فال يرد بعصي وهروات رجاله على ما يسمع دون أن تسمع منه كلمة. وأما صالح ولد حننه قائد الإنقلاب الدموي الفاشل في يونيو2003، فكان أعل ولد محمد فال يعتبره مجرما، ولم يتوقف عن مطاردته حتى قبض عليه في روصو على ضفة النهر، ورمى به في ظلمات السجن، قبل أن يحكم عليه بالإعدام. فما أغرب السياسة في بلادنا، وما أغرب أهلها، لكن هذا الشعب لم تعد تخدعه المتناقضات السياسية، لأنه لم يعد ضعيف الذاكرة كما كان يوصف في السابق، بل زاد على كل ذلك بقدرة وعيه التام، وبإدراكه لمتطلبات المرحلة، وما ينبغي فعله لتجنيب البلاد خطر ما يسوقها إليه بعض المغرضين الذين ثبت للجميع عدم إخلاصهم للوطن ولشعبه في مرحلة كان واجب الجميع فيها تكاتف الجهود، لمواجهة الأخطار التي تحدق بالوطن، لكن تقاعس المرجفين لن يؤخر المخلصين عن التصدي لكل الخطوب. |