الإســـــــــاءة على الإسلام استفزاز ومنكر ولكن......
الثلاثاء, 02 أكتوبر 2012 18:07

    الإساءة إلى الإسلام قديمة جديدة وذلك له أسبابه ودوافعه المعلنة والخفية، الدينية العقدية والسياسية الاستراتيجية. والمحزن في هذا الأمر أنه كلما لاح أمل ولو من بعيد حول ما يسمى بحوار الحضارات ظهرت وبقوة (عداوات الحضارات).

   أما بخصوص الرسوم والفيلم وما ترتب عليهما من أحداث وتفاعلات مبررة في رأي البعض وغيرمبررة في رأي البعض الآخر فإننا نورد الملاحظات الآتية:

   إن حرية التعبير مبدأ مقدس يقابله الكبت والإكراه ومع ذلك يجب أن تكون لها ضوابطها وإكراهاتها هي الأخرى وإلا لما كان للقوانين الداخلية من معنى وقيمة إلزامية . فالشتم والسب مثلا يمنعهما  القانون ويعاقب عليهما والحرية تتوقف عند حدود حرية الآخر.

  وما نراه في هذا الصدد يبعث على القلق خاصة عندما نجد أن الذين يشتمون ويسبون مستضلين بمبدأ حرية التعبير ومحتمين به من العقاب، نلاحظ أن المستنكرين للإساءات والاستفزاز الخطير، يعاب عليهم أنهم تظاهروا مستخدمين نفس المبدأ المقدس أليس ذلك الكيل بمكيالين؟

   غير أن كل أشكال التعبير المطلوبة يجب أن تكون حضارية وسلمية . فهذا أكثر جدوائية ونفعا ربما لإيصال الرسالة إلى من يهمه الأمر. ومن الغريب حقا ومن غير المقبول حقا أن يسقط مواطنون برصاص قوى أمن بلدانهم وكأن أرواحهم ودماءهم لاتمثل شيئا، كما أن الاعتداء على حرمة البعثات الدبلوماسية والقنصلية ومقراتها وأفرادها وممتلكاتها وأجهزة اتصالاتها أمر غير حضاري وتمنعه قواعد قانون الدولي العام وخاصة اتفاقيتي فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية.

   وفي هذا السياق نورد مثالا من الإساءة عشناه مباشرة في تونس العاصمة سنة 1991. ففي تلك المرة كان الحزب الحاكم آنذاك قد نظم ندوة حول الديموقراطية في العالم الثالث وقد دعا لذلك الغرض عددا من الشخصيات السياسية والفكرية منها على الخصوص الرئيس السنغالي السابق عبدو ضيوف الذي مثله في الندوة مستشاره السياسي كما حضرها نائب رئيس وزراء ايطاليا ووزيرة بلجيكية ومنظمات حقوقية وأساتذة ومحاضرون كنت أنا من بينهم.

   في اليوم الثالث والأخير وفي الجلسة الأخيرة ألقى أحد الأساتذة الغربيين محاضرة اعتبرنا بعض مقاطعها إساءة واستفزازا للعرب والمسلمين.ولعله في ذلك قد وجد الفرصة سانحة من خلال موقف النظام التونسي السابق من الإسلام ومن حركة النهضة خاصة.

  فقد استهل هذا المحاضر حديثه بتوجيه النصح والإرشاد بعدم الرجوع إلى عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبعدم محاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء لأنه يرى في ذلك تخلفا. بل يجب في رأيه النظر إلى المستقبل فقط. كما أنه قد نصح بأن الديموقراطية لا يوجد منها إلا نموذج صالح واحد وهو النموذج المطبق في الغرب فعلى الأنظمة السياسية الأخذ به وحده.

    وفي هذا الكلام ما فيه من الإساءة البالغة ومن عدم الواقعية وقد قررت في نفسي الرد عليه مباشرة إلا أنني كنت محرجا من موقف النظام التونسي فلذلك قررت أن لا أرد على هذا المحاضر إلا إذا لم يرد عليه أحد من الحاضرين وكيفما كان مستوى ذلك الرد، ولم أسجل اسمي للتدخل مثل الآخرين انتظارا أن يتولى أحد من المشاركين الرد على هذا الأستاذ. فقد انتهت جميع المداخلات ولم يرد عليه أي كان. وهنا طلبت الكلام مخالفا لنظام الجلسة وقواعد تسييرها.

   وبعد أن سمح لي رئيس الجلسة وهو رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان والذي كان يوما ما كاتبا خاصا للرئيس جمال عبد الناصر. تقدمت بالشكر للمحاضر على محاضرته وعلى الذي تقدم به إلا أن محاضرته تستدعي منا الملاحظتين التاليتين:     أولا: إن العهد الذي نصح بعدم الرجوع إليه وهو عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو خير وأفضل عهد يصلح للمجتمعات فهذا العهد نجد أنه كان مليئا بالعدل والمساواة وعامرا بالعمل وخاليا من المخدرات ومن التطرف ومن العنف وخاليا من السيدا ومن الآفات ومن العلل الأخرى التي تتخبط فيها مجتمعات اليوم. كما أنه كان عهد احترام الأديان والمعتقدات من غير الإسلام كالمسيحية واليهودية إلخ. وقلت له إن ارشادات ومواعظ قداسة البابا الداعية إلى التمسك بتعاليم المسيح عليه السلام لم تعتبر في الغرب محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الخلف.    ثانيا: أما بخصوص ما تفضل به الأستاذ المحاضر من مفهوم الديموقراطية فإننا نخالفه الرأي فيه على طول الخط فالديموقراطية يجب أن تكون منسجمة مع قيم وثقافات ومعتقدات الشعوب التي تمارسها.وذكرته أن الكاتب الفرنسي جان جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي خلص إلى الاستنتاج اليائس التالي: (أنه لو كان فيه شعب من الآلهة فإنه قد يحكم نفسه ديموقراطيا) ومن هذا الاستخلاص الذي ذكره جان جاك شفاليي في كتابه تاريخ الفكر السياسي يظهر لنا أن الديموقراطية ليست قوالب جاهزة ولا هي ملابس مفصلة على مقاسات الآخرين لأن كل شعب له قدسيته ومقدساته. وفي ختام مداخلتي ضجت القاعة بالتصفيق والتهنئة حتى من طاقم سكريتارية الندوة وقد قال لي رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان ((أنت رفعت رأس الأمة)).

    كان هذا ردنا على ذلك الأستاذ الغربي، فهل كان ردنا حضاريا؟ وهل ينبغي أن تكون الردود بالفكر والعقل الواعي بعيدا عن لغة العنف التي قد تجلب من الضر أكثر مما تأتي به من النفع؟ وعلى كل فإننا نرى أن المجتمع الدولي يجب أن يتصدى لظواهر الكراهية كيفما كان نوعها وأن يضع لذلك ضوابط قانونية تسمو قواعدها على منظومة القوانين الداخلية لكل بلد مثلما فعلت دول فيما يتعلق بالتشكيك في المحرقة أو (الهلوكوست) اليهودية.

                                                                                                         إسماعيل ولدإياهي

                                                                               أستاذ سابق بجامعة انواكشوط  وبالمدرسة الوطنية للإدارة  

 

رتل القرآن الكريم

إعلان

إعلان

فيديو

الجريدة

إعلان