الربيع العربي الى اين ومن المستفيد؟ |
الأربعاء, 21 مارس 2012 19:11 |
تمر المنطقة العربية منذ فترة باضطرابات تكتسي طابع العنف الغير المألوف وقد زالت أنظمة وأخرى مهددة . ومما يبعث على القلق حقيقة ما قد يترتب من ذلك على وزن و أهمية مصر وسوريا خاصة بأنهما بلدان استراتيجيان في هذه المنطقة ولا غنى عن وجودهما كمركزين فاعلين. قد ترددت كثيرا في تناول هذا الموضوع او عدم تناوله نظرا لحساسيته ولما يزال يلفه من غيوم تحول دون رؤية واضحة للأبعاد ومآلات ... فالاشكالية التي تواجه المراقب لهذه الاحداث ليست قطعا في المفاضلة بين الطغيان والاكراه والظلم من جهة والحرية والعدالة والكرامة الانسانية من جهة أخرى، كلا. بل هي في الاجابة على السؤال وماذا بعد؟ ان اكثر مايخشاه المتتبع لتغيرات الجارية في المنطقة العربية يكون في ما قد يحدث من انفلات امني وفي ماقد يحدث من تصدعات في جدار الوحدة الوطنية في هذا القطر او ذاك بسبب عوامل مختلفة لا يمكن استبعاد اي منها مثل العوامل العرقية والدينية والعصبية الاجتماعية (مثال الاوضاع في العراق والسودان وفي اليمن احتمالا) ونرى من المفيد قبل مناقشة تلك الابعاد ومآلاتها ان نتناول اولا بعض المفاهيم والقيم والمصطلحات المتداولة، كالربيع العربي والثورة والسيادة والديموقراطية ومن هو المستفيد ومن هو الخاسر في كل هذه التطورات المتسارعة والمعززة بزخم اعلامي هائل. إن مصطلح الربيع العربي الوافد من خارج المنطقة يذكرنا من حيث اللفظة فقط بربيع ابراغ عاصمة اتشيكوسلوفاكيا سابقا حيث حدثت في تلك البلاد احداث خلال الستينات كانت في واقع الامر اول محاولة لإحداث ثغرة في جدار المنظومة الشيوعية ...ولا نتمنى اطلاقا الربيع العربي ان يكون محاولة من الغير لتمزيق وحدة بعض الاقطار العربية علي غرار ماحدث فيما بعد لدولة اتشيكوسلوفاكيا، اصبحت اليوم دولتان هما : جمهورية اتشيكيا وجمهورية اسلوفاكيا. اما مصطلح الثورة التي يحلو للبعض اطلاقه على مايجري في شوارع بعض الاقطار العربية فإنه لاينطبق تماما على هذه الانتفاضات لأنها في الغالب العام عبارة عن تحركات وردات فعل من أجل لائحة مطلبية للحصول علي مكاسب مادية سريعة كالتشغيل ورفع الاجور وتخفيض الاسعار وبعض الحريات...وهذا ما لم يفهمه اويتفهمه بعض الحكام الذين لم يدركوا معنى الرسالة وفحوى الخطاب ثم تطورت الامور بعد ذلك الى رفع سقف تلك المطالب لتصل الى كرسي الحاكم الذي لجأ الى حماية المنصب بالقوة المسلحة وحصل ما حصل... أما مصطلح الثورة كظاهرة إنسانية فإنه مخالف للانتفاضات ولحركات التصحيح، فالثورة تقوم عادة على فكر وعلى عقيدة وتحتاج إلى زعيم له جاذبية الزعماء وتواضع الثوار وصرامة القادة ولنا بعض الأمثلة في التاريخ نذكر منها على سبيل المثال الثورة الفرنسية والثورة الصينية وثورة الملك والشعب في المغرب وثورة الشيخ ماء العينين والأمير بكار في موريتانيا وثورة الأمير عبد القادر وجماعة العلماء من أمثال ابن بديس والابراهيمي في الجزائر. وهذه النماذج لا نجد مشابها لها في المنطقة العربية حاليا. أما مفهوم الديموقراطية فإنه مفهوم مطاط أعجز الكثير من المفكرين والكتاب الغربيين من أمثال جان جاك روصو وجون لوك ومنتيسيكيو. فالديموقراطية كما نراها يجب أن تكون منبثقة من الواقع الاجتماعي والثقافي والديني لكل بلد. وبالتالي فهي ليست تلك القوالب الجاهزة والملابس المفصلة على مقاسات الآخرين... ومن هنا فإنه لا يجب فرضها من الخارج عبر التدخلات في الشؤون الداخلية للغير وهو ما تمنعه قواعد القانون الدولي العام ومواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية. ومن المزعج في هذا الإطار ما نلاحظه من انتهاكات غير لائقة لمبدأ السيادة المقدسة في جميع القوانين والأعراف الدولية. إن ما جرى في مصر ويجري حاليا في سورية تحديدا يبعث على الخوف على مصيرالأمة العربية والقضية الفلسطينية خاصة نظرا لما هذين البلدين من رصيد قومي وتاريخي وبشري. فالشعوب العربية لا تستفيد إطلاقا من تدهور الأوضاع الأمنية ولا من تراجع مؤشرات الاقتصاد ولا من تراجع معدلات النمو ولا من تفكك الجيوش الوطنية، كلا. ولعله من المفهوم في هذا السياق أن هناك مستفيد بما فيه الكفاية من هذه الأحداث ونعني به دولة اسرائيل. إن كل ما يشغل الجيوش وطاقات وشعوب المنطقة من معارك جانبية لا يمكن إلا أن يكون خيرا على اسرائيل وضياعا للقضية الفلسطينية. فالشعب الفلسطيني المكافح لا ربيع له ولا زخما إعلاميا مساندا له وحقوق الانسان لا تعنيه، فأطفاله ليسوا كالأطفال وإنسانه ليس كالإنسان. وبخصوص الشعب الفلسطيني وكفاحه تجب الاشادة بما بدلته حكومة تركيا من جهود بعد غزو غزة. إلا أننا لا نفهم حقيقة سرعة تنصلها من جارتها سوريا التي كان من الممكن أن تكون حريصة على وحدتها وتماسك جيشها كما كان بالإمكان أن تكون وسيطا مفيدا للأزمة الخطيرة في هذا البلد. صحيح أن الدول ليس لها أصدقاء وإنما لها مصالح غير أن ما يمكن اعتباره مصالح اليوم قد يكون خسائر الغد... إن أحداث المنطقة العربية ليست للأسف مجرد أحداث عابرة بل يمكن لا سمح الله أن تكون مقدمة لمخاطر جمة لا تستثني أحدا... وعلى الجميع أن يدرك عمق الحدث وخطورة الموقف قبل فوات الأوان وقبل تلاشي الأمل الذي هو جزء من الحل. والحل يكون في المصالحة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع بكيفية نزيهة ومسؤولة وصولا إلى التناوب السلمي على السلطة. وعلى الكل أن يحذر مقولة : = هذا دينـي وأنا حر فيه=. اسماعيل ولد إياهي أستاذ متخصص في العلاقات العربية |