نعمة من الله جليلة أنعم به على عباده وفي ظله الوارف وتحت رايته تنعم الشعوب بالاستقرار والتنمية ، وبثمرته تشيد الدول وتنموا وتزدهر بالزراعة والتجارة والصناعة والصحة والتعليم حتى تسامي مصاف الأمم ، وبه وحده تختفي النعرات والأحقاد والنزاعات القبلية وغيرها ، وبدون الأمن لا استقرار ولا أمن ولا سكينة فعلينا دولة وشعبا الحفاظ على أمن بلدنا بكل الوسائل المشروعة المتاحة ، من تربية صحيحة ـ للنشء ـ وتوجيه سليم وإرشاد وتعليم وعدالة وإنصاف ، ثم ياتي بعد ذلك دور القيام بالعقوبات لأن آخر العلاج الكي ، ولعل أهم مرافق الدولة ذات الثنائية في العقوبة والإصلاح في آن معا هو السجن وسأبرز من خلال هذه الورقة البسيطة دوره في إصلاح الجانحين من المجتمع في حال إمكانية ذلك ودوره في تنفيذ العقوبات عند تعذر الشق الأول
السجن مرفق عمومي تابع لإدارة السجون بوزارة العدل بعد أن كان ردحا من الزمن يديره الوالي ويسير هذا المرفق من طرف كاتب ضبط أول أو كاتب ضبط ، وتضم هذه الإدارة مصلحة أمنية يقودها ضابط أو ضابط صف تابع لجهاز الحرس الوطني بوزارة الداخلية ، وتضم مصلحة صحية تابعة لوزارة الصحة مرؤوسة من طبيب أو ممرض مع أعوان آخرين كما يستعان فيه بمرشدين اجتماعيين وفقهاء وبعض الأعوان الآخرين حسب الحاجة .
أما من حيث النزلاء فإن نزلاء السجن ينقسمون إلى قسمين : قسم يسمى معتقلين أو موقوفين وهم الذين دخلوا السجن على ذمة التحقيق معهم سواء كان ذلك من الجهات النيابية أو القضاء الجالس ، أما النوع الثاني فهم السجناء وهم الذين صدرت بحقهم أحكام وهذه الأخيرة تتفاوت حسب الجرم المرتكب مخالفة ’ جنحة ’ جريمة ، وكل هؤلاء النزلاء يقبعون داخل هذه الزنزانة كما يحلوا للبعض أن يسميها سواء كان النازل سياسيا أو داخلا بسبب مشاجرة بسيطة أو عدم سداد دين أدى لإكراه بدني أو امتناع عن نفقة أو نشوز أو سرقة أو قتل أو شرب خمر أو زنى أو بيع مخدرات أو حرابة ، كل هؤلاء لا تفريق بينهم إلا داخل ملفاتهم ، وتقوم إدارة السجن بالإشراف على كل هؤلاء وتوفير الطعام والعلاج والأمن والتعليم والتوجيه لهم .
دور السجن : لم يكن إنشاء السجن قديما وحديثا من أجل قيد حرية الأفراد ولا منعهم من التصرف والحركة بل هو مؤسسة ردعية إصلاحية ، ردعية فهي مسؤولة عن احتجاز المعتقلين أو المسجونين طبقا للبطاقات أو الأحكام أو القرارات الصادرة من الجهات الرسمية المختصة بحقهم ، فعليها ـ أي الإدارة ـ حسب صلاحيتها التعامل مع المودع طبقا لما تحويه البطاقة التي أودع بموجبها ، وذلك بطلب تجديد البطاقات عند نهايتها في حالة انتهاء أمدها ، أو محاكمة من صدرت في حقهم ، ولا يمكن للسجان أن يعتقل خارج آجال القانون ، وعند عدم الاستجابة لذلك من طرف الجهات المختصة عليه أن يقوم فورا بإطلاق سراح المعتقل أو السجين ، فعلى إدارة السجن مسؤولية مراجعة الجهات القضائية وحضور الجلسات من أجل معرفة جديد ملفات المعنيين من استجواب أو برمجة في جلسة أو صدور أحكام عليهم من أجل تسجيل ذلك في سجلات السجن وتحيينها ، وقد كان ذلك صعبا قبل الإصلاح الأخير للحالة المدنية الذي جعل كل شخص معلوم باسمه ووسمه وبصمته وقد كان ذلك ضربا من الخيال حيث إن المعتقلين كانت تمر على أحدهم السنوات دون أن يحاكم لصعوبة التعرف عليه ، فبعض السجناء لحنكته واحترافه وطول باعه في اقتراف الجرائم يتلف أوراقه الثبوتية من أجل أن لا يتعرف على شخصه وبعض الأحيان يقدم اسما مستعارا ويضيع الاسم الذي أعطى من ذهنه حيث إذا نودي بهذا الاسم لم يكن يعني شيئا بالنسبة إليه وهذا ما أدى أحيانا إلى تكديس المعتقلين داخل السجن بدون محاكمة وهذا طبعا من المصاعب التي كانت تتلقاها إدارة السجن وكان سببا لتأخر المحاكمات .
الدور الثاني وهو الدور الإصلاحي لهذه المؤسسة فلقد عرفت هذه المؤسسة أنواعا من الإصلاح منها ما هو اجتماعي ومنها ما هو تعليمي وفني أوتقني فلقد كانت هذه المؤسسة تقوم على تقديم دروس لنزلائها من طرف مرشدين اجتماعيين ومن فقهاء كما يتلقون دروسا في المهن الحية مثل النجارة واللحامة والسباكة والكهرباء والبناء والحياكة والخياطة وغيرها لإعطاء السجين بديلا وحرفة شريفة تعوضه عن أفعاله الشائنة ليكون شخصا صالحا فاعلا في المجتمع بدلا من وضعيته القديمة
نتمنى على الجهات المختصة الاهتمام بما يلي :
داخل السجن : إنشاء جناح خاص لكل أهل جرم بحيث لا يصل أحدهم إلى الآخر إلا عند الحاجة من طرف الإدارة وذلك كيلا تصل العدوى من بعضهم للبعض علما أن السلوك الإجرامي يعدي كما يعدي الجرب وقيل في المثل الحساني "لم الحوار مع الحمار يعلمه الشهيق والنهيق " فإننا نلاحظ أن من ولج السجن اعتاد عليه وكان يرى هاجس خوف منه قبل دخوله لكن هذا الهاجس يزول عندما يكون السجن حق يقين ، وعند خروج بعضهم يتباهى بأنه كان خارج البلاد في سياحة ، فنرى أن أصحاب السوابق ( أعني الذين ضبطوا في مخالفات قبل ) هم أكثر نزلاء السجن وذلك لعدم ردع العقوبة أحيانا ولما ذكرنا سابقا من عدم التعرف على أشخاصهم ، فلا بد لكي يبقى كل بسلوكه ولا يحتك بمن هو أمهر منه وأعرق في هذا السرطان القاتل أن يعزل كل بحاله ، فمن غير المنصف أن يكون المعتقل على رأيه السياسي ، أو على تأخر دفعة من دين كان يقضيه ، أو مشاجرة قبلية على حدود أرض يجلس ويحتك مع صاحب المخدرات أو المحارب أو السارق ، فبهذا الاختلاط يفرج عن المعتقل أيا كان جرمه متعدد التخصصات الإجرامية ومن الملاحظ أن المعيد لا يعيد في جرمه الأول فحسب بل قد يعيد في جرائم متعددة بسبب أنه زال عنه الخوف لما ذكرنا وأنه قد تعلم معارف ما كان ليحصل عليها لولا هذه الفترة التكوينية (المجانية ) .
إعطاء بديل للمجرم : أولا إعطاء دورات تخصصية ومكثفة من وعظ وإرشاد من طرف فقهاء لخلق عقيدة صلبة لدى الجانحين وتعليمهم عقيدة دينهم وربطهم بقيم المجتمع وأصالته ، وتفعيل دور المرشدين الاجتماعيين لمعالجة الأفكار المتطرفة الشاذة لدى الجانحين ونزع فتيل الإجرام بتقوية نفوسهم وعلاجها بالتوجيه والإرشاد ، ولا بد ثانيا كذلك من تفعيل الورش التابعة لمؤسسة السجن بحيث يكون لها دور فعال في التكوين بحيث يواكب تكوين كل شخص فترة اعتقاله حتى يكون نهاية سجنه متزامنا مع حصوله على شهادة مهنية في الميكانيكا أو السباكة أو البناء أو غيره مع إنشاء جهة لمتابعة هؤلاء ومحاولة دمجهم في المنشآت تبعا للتخصص الذي تكونوا فيه والتأكد من أنهم عادوا إلى السكة الصحيحة .
التسريع بإصدار الأحكام في حينها : ذلك أن تكديس المتهمين داخل السجون يكلف الدولة كثيرا من الإنفاق عليهم وعلى تأمينهم ورعايتهم وعلاجهم ، فمن الأحسن أن تصدر الأحكام في حينها فور ما يكون الملف جاهزا لذلك وأن تنفذ تلك الأحكام إذا كان فيها حد من الحدود أن ينفذ فور صدور الحكم نهائيا سواء كان قتلا أو قطعا أو جلدا أو غيره مع ضرورة أن يحال من صدرت بحقهم أحكام مؤبدة أو طويلة المدة إلى السجون النائية كي يخلوا مكانهم لآخرين ،
وتفعيل سياسة تحصيل الغرامات : علما أن المتهم يكلف الدولة تكاليف باهظة لذلك عليها تحصيل الغرامات والرسوم والمصاريف الصادرة عليه وذلك لضمور هذا الصندوق (صندوق المصاريف القضائية) لعدم تحصيل هذه الغرامات لسبب أو لآخر ، لكن الحاجة ملحة لتفعيلها وفي حال فقر المتهم وعدم قدرته على تسديد هذه الغرامات تحويلها إلى مدة حبس طبقا لما هو منصوص عليه قانونا
وأخيرا وليس آخرا : إنشاء مصلحة خاصة بكل محكمة ولاية تعنى بتحيين الأحكام الجزائية وتسجيلها معلوماتيا وتكون هذه المصلحة معنية وحدها بإصدار صحيفة السوابق العدلية لمن يرغب في إيلاج الوظيفة كيلا يحصل المدانون على براءة لا يستحقونها ، ذلك أنه يلاحظ أن بعض الأسر إذا كان لديهم أولاد جانحون وأيسوا من إصلاحهم يسارعون إلى إلحاقهم بإحدى الإدارات العسكرية أو شبه العسكرية مما يشكل عبئا على هذه الإدارة ، فالموظف العمومي أو شبه العمومي من المفروض أن يكون قمة في المجتمع أو على الأقل صالحا لما أسند إليهم بحكم وظيفته ، وبكل هذا يسهم السجن بوصفه مرفقا عاما من مرافق الدولة في الإصلاح
الحسن أحمد سالم اميمين |