انواكشوط -  ووا-  -  هوت أفئدتهم إلى مكة فأقبلوا على الله وأدبروا عن الدنيا، لبوا أذان ابراهيم للحج فجاؤوا من كل فج عميق، وتدفقوا إلى مكة هذه الأيام ملبين مهللين مستغفرين داعين خاشعين ومخبتين.أمواج بشرية تسد الأفق متشابهة الأشكال مختلفة الألوان متوحدة في رغبتها ورهبتها وخشوعها ودعائها وتبتلها، كلُ انسلخ من هم الدنيا تماما كما انسلخ من ثيابه رغبة فيما عند الله ورجاء غنيمة الحج المبرور الذي ليس له من جزاء إلا الجنة

. أول ما يشاهدون بيت الله الحرام يكبرون ويهللون ويدعون فيملأ أزيز تبتلاتهم الآذان وتملأ العيون أثوابهم البيضاء التي لبسوها وأحرموا تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم والتزاما بسنته ومنهجه وشريعته.في هذه البقعة الطاهرة من أرض الله حيث بيته الذي جعله مثابة للناس وأمنا يتواجد اليوم حجاج يسَّرَ الله لهم الرحلة فلبوا النداء، تلمسوا خطوات أبي الأنبياء إبراهيم وسعوا كما أمر إمام الأنبياء والمرسلين وخاتم النبيئين محمد صلى الله عليه وسلم فطافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة ودعوا كما دعا صلى الله عليه وسلم وكما أمر أن يكون الدعاء. تضلعوا من ماء زمزم لما شاؤوا وقد استحضروا قوله صلى الله عليه وسلم "زمزم لما شُرب له" منهم من أراد الشفاء من أمراض البدن وعلل النفس، ومنهم من أراد البراءة من النفاق، ومنهم من أراد صلاح الدنيا والآخرة والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم. بين الطائفين والقائمين والعاكفين دخل الحجاج الموريتانيون بعد وصولهم إلى مكة فطافوا وسعوا وأقاموا ودعوا وتبتلوا مخلصين راغبين فيما عند الله. وربما نسوا أو تناسوا هويتهم الذاتية واحتفظوا بهويتهم الكبرى والأصيلة فتذكروا أنهم مسلمون وأخبتوا وأنابوا إلى ربهم وأسلموا له القياد. في مكة حيث بيت الله الحرام تواجد الحجاج الموريتانيون وهم اليوم يؤدون الصلاة في الحرم المكي مستذكرين حديث أفضلية الصلاة في هذا المسجد مرددين قول إبراهيم وهو يرفع قواعد البيت (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) ويستحضرون عظمة المكان فيستغفرون ربهم ويرجون رحمته ويخافون عذابه. هم اليوم جزء من نسيج هذا الجمع المسلم القادم من كل حدب وصوب لا فرق فيه بين شاب وشيخ ولا امرأة أو رجل. ولعلها أيام استثنائية في حياة هؤلاء يغتنمونها في الامتثال والاجتناب فيعودون وقد ربحوا وغنموا وخرجوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم.