تحقيق عن الرعاية البديلة في موريتانيا
الاثنين, 16 يوليو 2012 19:03

نواكشوط : أحمدو ولد محمد أحمد ولد اياهي

 

       من أجل معرفة واقع  الرعاية  البديلة في موريتانيا أو غيرها من البلدان لا بد من معرفة حجم ظاهرة الأطفال فاقدي الرعاية  الوالدية، و أسباب إيداع الأطفال في  مؤسسات الرعاية، وخصائص مؤسسات الرعاية الموجودة، وأنماط الرعاية  البديلة، و الخدمات المقدمة، و الدور  الذي تقوم  به الدولة و جمعيات  المجتمع المدني.

          وللرعاية البديلة عوامل منها: العوامل الاقتصادية، العوامل الاجتماعية، العوامل البيئية: الكوارث، الحوادث، و العنف. وتشمل الرعاية  البديلة مئات  المحرومين من الأسرة، و للرعاية الوالدية  اسباب منها: من فقد أبويه أو أحدهما لأي سبب من الأسباب،  من انفصل عن والديه  بسبب الحروب  أو الكوارث،  اللقطاء  وهم الأطفال مجهولو النسب.

    والرعاية البديلة ضرورة فرضتها التحولات الاجتماعية و الاقتصادية و العلمية و التكنولوجية، هذه التحولات صاحبتها ظواهر اجتماعية خطيرة على النسيج الاجتماعي و على التنمية، خصوصا في البلدان النامية، مثل: ظاهرة أطفال الشارع – الأطفال في  الشارع -  التفكك الأسري – العجز الأسري  عن  رعاية الأبناء - التخلي عن المسؤولية.    وظاهرة مؤسسات الرعاية البديلة في موريتانيا جديدة،  وما زالت في بدايتها.

    والمجتمع الموريتاني مجتمع مسلم ـ ولله الحمد ـ،  يعطي  لهذه الظاهرة  اهتماما خاصا؛ و ذلك يعود  لما يعطيه  الإسلام من اهتمام   لقضية  الرعاية  الوالدية  البديلة في  إطار اهتمامه  بحقوق الطفل و ضمان  الجو  التربوي و الأسري  الصحيح له،   وليس  بخاف مدى  ما يترتب على  تلك  الرعاية  من مصالح  تبدو راجحة بمقدار الأهمية  الاجتماعية و الإنسانية  التي تترتب عليها، بما أن  الإسلام لا يقف من الأطفال موقفا يتجاهل  ما يحتاجون  إليه من كفالة و رعاية  تعوضهم  ما يفقدون من الحب والعطف، و يحرص على أن يعوضهم ذلك  بناء على  أن ما لا يدرك كله  لا يترك جُلُّه، وأن بعض  الشيء  أولى من لا شيء.

     وقد أعطى  الإسلام للأيتام نصيبا في  أموال  الغني والغنائم، و هي أموال  ذات صفة عامة، و تمثل أرصدة  الخزانة العامة للدولة  أو بيت المال ـ كما هو معروف ـ، و يدل على ذلك قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاَللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)  [الأنفال الآية 5].    وكما يبدو من  هذه الآية  الكريمة أن الله ـ عز وجل ـ قد جعل لليتامى، وهم الأطفال الذين فقدوا والديهم  أو أحدهما  قبل البلوغ، حقا في  خمس الغنيمة، وجاء  الحق معطوفا  على جملة من الحقوق  التي  تحمي  مصالح اجتماعية  تحتل  المرتبة العليا  في  قائمة  المصالح المهمة في  المجتمع. ومما يدل على ذلك ـ أيضا ـ قول الله تعالى: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول و لذي القربى واليتامى والمساكين كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن لله شديد العقاب)  [الحشر الآية 6].حيث دلت هذه الآية الكريمة على ما دلت عليه السابقة من أهمية حقوق اليتامى على المستوى الاجتماعي.

مؤسسات قادرة    وبما أن الرعاية البديلة يتم تنفذيها على المستوى العام،  فإن الدولة هي التي تضطلع بها تمويلا وتنفيذا ورقابة ومحاسبة، عبر مؤسسات قادرة على استيعاب الأطفال فاقدي الرعاية البديلة. والدولة الموريتانية تقوم بجهود  حثيثة لكنها لا تزال دون المطلوب في سبيل إقامة مؤسسات ومراكز للرعاية البديلة، سواء تعلق الأمر بتوسيع المصلحة المعنية بالرعاية البديلة على مستوى وزارة الشؤون الاجتماعية و الطفولة و الأسرة،  أو على مستوى تشجيع قيام مؤسسات رعاية بديلة. ففي  موريتانيا  لا يوجد إلا مركز واحد للرعاية  يدعى "مركز الدمج وحماية الطفولة" يتبع للدولة، وجمعيات قليلة تعمل في مجال الرعاية البديلة منها: جمعية الأطفال والتنمية في موريتانيا، منظمة الوعي لكفالة الأيتام،  الجمعية الموريتانية لرعاية وترقية المعاقين عقليا، و معهد مريم جالو لرعاية  الأطفال  المحرومين. وتوجد وصاية على الأطفال، وهذه الوصاية منها ما هو مع أسرة بديلة (حاضنة) مع أبنائها، و منها ما هو مع أسرة تربطها بالأطفال علاقة قربى. وفي المجال التشريعي، فإن موريتانيا موقعة على اتفاقية الطفل التي تم التصديق عليها من قبل 192 بلدا، وهي تعمل بما تقتضيه بنود هذه الاتفاقية.     لقد ازداد الوعي في موريتانيا بأن الرعاية البديلة أضحت ضرورة فرضتها  التحولات الاجتماعية و الاقتصادية؛ مما دفع الدولة إلى  العمل على تشجيع  منظمات المجتمع المدني العاملة في المجال بغية القيام بالدور المنوط بها، مثل: الدعم المادي ـ على قلته ـ و المعنوي، و تركت الباب  مفتوحا لهذه المنظمات و الجمعيات  للتعاون مع المنظمات الدولية العاملة المهتمة  بالرعاية البديلة.

   ومن المثير للانتباه أن جميع  الجمعيات و المنظمات و الشخصيات التي اتصلنا بها، و التي لها صلة مباشرة  بموضوع  الرعاية البلدية  في  البلد، عبرت لنا عن خيبة أملها من ندرة  دعم الدول الإسلامية و العربية،  قائلين لنا إن معظم الدعم والتعاون  يجدونه من منظمات غربية يتعاونون معها بشروط صعبة.ومن  المنظمات الأجنبية التي يتم التعاون معها بشكل كبير FLM   و WORD VISION و CARITAS والصليب الأحمر الإيطالي،  والصليب الأحمر الإسباني، اللجنة الكاتولوكية لمحاربة الفقر والتنمية، والجمعية الكانارية للتعاون والتضامن الدولي.

    وفيما يتعلق بحضور المنظمات العربية و الإسلامية في مجال الرعاية البديلة فلا يزال دون المستوى، بعض الجمعيات الموريتانية العاملة في  مجال الرعاية  ذكرت لنا أنها وجدت الدعم من منظمات عربية، مثل: منظمة  الوعي  التي  تتعاون  مع قطر الخيرية، كما أنها تتلقى الدعم من شخصيات  خليجية، و هناك وجود للهلال الأحمر الإماراتي.

   وبشكل  عام، فإن ظاهرة  مؤسسات الرعاية البديلة في موريتانيا ما تزال طور النشأة، وهذا ما أكده لنا  السيد عبد الرحمن و لد محمد الأمين ـ خبير في علم الاجتماع، ورئيس  مصلحة المساعدة الاجتماعية والاستقبال بوزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة ـ خلال حديث له معنا عن الرعاية البديلة في موريتانيا، والذي حدد لنا فيه أنماط الحضانة الموجودة بموريتانيا،  بادئا بالسياق الثقافي والاجتماعي، قائلا: السياق الثقافي والاجتماعي للحضانة  في موريتانيا

نمط الحضانة السائد في الماضي هو الحضانة العائلية، وهو الأوسع انتشارا، خاصة في مراحل الطفولة الأولى. وهذا النمط يمكن أن يتخذ عدة أشكال حسب الوسط الثقافي والاجتماعي للطفل، ومن ضمن هذه الأشكال نجد الطفل غالبا في حضانة أمه وحدها. وإن الأم ـ ذلك "الكون" ـ يمثل كل شيء بالنسبة للطفل خلال مراحل عمره، وأحيانا، وفي بعض الأوساط، يمنع الحياء الأم الثانية من الاهتمام بطفلها البكر أمام الناس. وهكذا ظهرت أدوار أخرى للحضانة، وأصبحت ذات أهمية خصوصا حينما يتعلق الأمر بدور الجدة والمرضعة .. كذلك الحضانة (الحكامة). وأضاف  السيد عبد الرحمن أن  المرأة أو البنت تتعلم من جدتها كيف تهتم بمولودها الجديد (الخاطر)، وتشرف على ولادتها الأولى، والتي كانت تقع بالضرورة ـ حيث التقاليد ـ في منزل الجدة، وبالرغم من ذلك فإن الجدة لا يمكنها أن تعوضها، يقول المثل: (من وجد أمه لا يرضع جدته)". لذا تتركز مساعدتها في تأهيلها للقيام بدورها الجديد الذي أصبح حقيقة ( لأمومة)، وهو ما كانت تحاكيه البنت في صباها أثناء لعبها أو اهتمامها بإخوتها. وأثناء الفطام وبعده يمكن للجدة أن تحتفظ بالطفل بقدر ما ترغب، وإذا كان الطفل أنثى تقوم الجدة نفسها بتسميتها (لبلوح). أما المرضعة شكلها البسيط معروفة بوصفها امرأة جارة لها طفل معاصر للطفل. مسك موريتاني.. ألعاب البنات ذات دلالة في هذا السياق ترضع وتأتي للإرضاع في فترات (من 1-4 في اليوم) تقريبا. لكن المرضعة الحقيقية هي التي تأخذ الطفل في بيتها الواقع في بعض الأحيان عدة كيلومترات، ومدة رضاعته (سنتان)، وفي بعض الأحيان قد تزيد المدة، ويربى الطفل في هذه الظروف حيث المثل: «ربوا أبناءكم تربية العبيد». لعل حب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونمط حضانته الأول الذي لم يبق مع مرضعته حليمة السعدية أكثر من سنتين ليس ببعيد عن مجتمع مثل مجتمعنا، وبفعل التغيير الاجتماعي الذي حدث في المجتمع الموريتاني بسبب الانتقال المفاجيء من حياة البادية إلى حياة المدينة لم يطرأ تغيير كبير على أنماط الحضانة الأولى ببروز دور الأمهات، وغياب دور الجدة أو الأم أو الأخت التي كانت تساعد في هذه الأدوار، خاصة مع تنامي ظاهرة ولوج المرأة الموريتانية في العمل، وما يخلق ذلك من أعباء في التوفيق بين ولوجها في العمل ودورها في التربية؛ مما أدى إلى ظهور أنماط جديدة للحضانة كالروضة والحضانة، ودور الطفولة، التي تستقبل النشأة، وتعوضه دور الغائب من الأنماط التقليدية في الحضانة، وغياب الأم أثناء عملها، كما أن أثر هذه التحولات الاجتماعية في المجتمع الموريتاني أدى إلى ظهور مشكلات وظواهر مجتمعية، مثل ظاهرة تشرد الأطفال وانحرافهم؛ فكان من الضروري إيجاد دور رعاية بديلة عن الأسرة التي يعوزها عدم الفاعلية في هذه الحالات، فظهرت بذلك بعض المؤسسات الأهلية والحكومية التي أنشأت دورا لإيواء الفئات المستهدفة كأطفال الشوارع، والمحتاجين، والأيتام.... إلخ).

تحديد أنماط الحضانة

وعن أنماط الحضانة،قال السيد عبد الرحمن: تشير بعض الدراسات إلى أنماط الحضانة أو الرعاية للأطفال التالية: 1-    أنماط الحضانة العائلية.

2-    المدارس القرآنية.

3-    الحضانة الأهلية.

4-    حدائق الأطفال. أنماط الحضانة العائلية: يوجد هذا الصنف في كل الأوساط الاجتماعية والثقافية، بصرف النظر عن الموقع الجغرافي. ويمكن أن يمر الطفل من صنف إلى آخر داخل هذا حسب الفصول والظروف العائلية، ويمكن أن نوزع هذا النمط إلى:

1-  الأم بدون مساعدة.

2-    الأم بمساعدة الأخوات الأكبر.

3-    الأم بمساعدة الجدة.

4-    الأم بمساعدة "الحكامة". المدارس القرآنية: المدارس القرآنية عادة تستقبل الأطفال من 3 إلى 9 سنوات، وبذلك تسهم في حضانة الطفولة في مرحلتها الأولى. ويمكننا أن نميز على عموم التراب الموريتاني المدارس القرآنية إلى ما يلي:

§         المدارس القرآنية ذات المأوى: وتتميز بقلة عددها؛ فهي  ليست النمط الشائع، ويرتادها أطفال القرى المجاورة، ويقضون فيها النهار بمغادرتها مساء. الأطفال يقدمون من قرى أو أماكن بعيدة. وتنتشر هذه المدارس في المناطق المجاورة للنهر، ويرتادها أطفال إثنيات خاصة مثل "بولار"، "وولف"، وروادها الأطفال يقومون بجولات تسلية يومية، وتعتبر هذه الجولات عادة ثقافية، تنظم يوميا داخل المدينة من طرف طلاب في سن معينة طالبية (ALMOUDE).

§         الحضانات الأهلية: ظهر هذا النوع أساسا في الوسط الحضري ( القروي)، خاصة الزراعي المستقر، لأسباب تتعلق بالدور الهام الذي تلعبه المرأة في الإنتاج في مثل هذه المجتمعات. ويتميز هذا الخط من الحضانة بكونه مبادرة من أهالي القرية بتكليف نساء منهم بحضانة أطفالهم، مقابل مبلغ رمزي مثل:  (الحضانات الأهلية في روصو).

§         حدائق الأطفال: يوجد هذا النوع من أنماط الحضانة خاصة في المدينة، وظهر مع ظهور المدن الكبرى، مثل: انوكشوط، إنواذيبو، روصو .... إلخ. حيث سجلت دراسة حول هذا الموضوع أقدم حضانة في ولاية اترارزة مدينة روصو 1968م. وهذا النمط شائع في المدن الكبرى، وعلى مستوى المدارس الخصوصية توجد حدائق الأطفال؛ إذ بدأ القطاع الحر في مجال التربية والبيئة يهتم بهذا المجال لما يوفر من خدمات خاصة للأم العاملة. أما فيما يتعلق بدور الرعاية البديلة للأسرة، والتي تستهدف الأسر الذين يعانون مشكلات اجتماعية كأطفال الشوارع، الأيتام اللقطاء ...إلخ. فتشمل:

دور الرعاية الأهلية أما عن الرعاية  الأهلية،  قال السيد/عبد الرحمن ـ رئيس  مصلحة المساعدة الاجتماعية والاستقبال بوزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة ـ بأن هناك دورا لمنظمات أهلية  تقوم  بدعم المستوى  الدراسي و المادي للأسر الفقيرة التي بها أيتام، أو ينحدر منها أطفال شوارع .....إلخ. لكن هذه الدور قليلة جدا، وتتركز على تقديم خدمات إعانات مادية، كما أن دور الرعاية الأهلية المهتمة بظاهرة أطفال الشوارع تستقبل الأطفال في الغالب في الفترة النهارية، مثل منظمة الأطفال والتنمية الخاصة بأطفال الشوارع.

دور الرعاية الرسمية

    اهتم القطاع الحكومي بالطفولة والرعاية البديلة مذ سنوات قليلة، وقد ركز بدايات عمله على الإطار القانوني، حيث تمت المصادقة على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وقانون تحريم استغلال الأطفال، والأمر القانوني المتعلق بالحماية الجنائية للأطفال، ومدونة الأحوال الشخصية التي تضمن للأطفال كثيرا من الحقوق، خاصة تلك المتعلقة بالنفقة، والحضانة...إلخ. إلا أنه مع تزايد هذا الاهتمام ظهرت الحاجة الملحة لإنشاء مؤسسة تستقبل أطفال الشوارع، واللقطاء، والأطفال المعرضين للمخاطر: الشر والجنوح، وكذلك أطفال التقصير العائلي، والأيتام الأكثر فقرا، والذين يتم التخلي عنهم بين الأوضاع الأسرية الصعبة. فأنشيء الإطار القانوني لهذه المؤسسة بتاريخ فاتح  نوفمبر2007. نطاق الزواج [اللقطاء]، والإيواء لأطفال الشارع، وتدعى هذه المؤسسة مركز الحماية والدمج للأطفال، وهو المركز الرسمي الحكومي الوحيد الرئيسي للرعاية البديلة. وللمركز  مراكز فرعية مختلفة الأدوار والتخصصات: 1- مركز دار النعيم: وهو مركز للاستماع، و لإيواء أطفال الشارع، وهو مركز نهاري. 2- مركز الميناء:     وهو مركز خاص باستقبال أطفال الشوارع في إطار خدمات الرعاية الدائمة [ إيواء ـ تأهيل .... إلخ]، كما يستقبل أطفال ضحية الاستغلال الاقتصادي [مثل الطلبة:  talibés les almoda]. 3- خلية استقبال الأطفال فاقدي السند العائلي [اللقطاء]: وتعتمد هذه الخلية علاج آثار هذه الظاهرة ضمن مقاربة عمل تستهدف دمج الأطفال اللقطاء في أسر متكفلة، وفق النظام الإسلامي للكفالة، وليس التبني وفق القانون الوضعي. وتراعي معايير معينة  لهذه الكفالة، ولا تعتمد المؤسسة الراعية تبني مقاربة إنشاء دور خاصة بهذه الشريحة لاستثمار التكافل الاجتماعي الموجود لدى الأسر الموريتانية، والتي تقبل في بعض الأوساط التكفل بهؤلاء الأطفال، ويتم دمجهم وفق معايير تسمح بالانسجام الاجتماعي والنفسي والعاطفي للأطفال في هذه الأسر المتكفـلة. وقد استقبلت المؤسسة منذ إنشائها سنة 2007 وحتى 2008 الفئات التالية:

§    أطفال الشوارع:  261 طفلا.

§    أطفال اللقطاء:   43 طفلا.

§    الأطفال الجانحين:  8 أطفال.

§    أطفال ضحيا التقصير والعنف العائلي: 6 أطفال، بالإضافة إلى تحديد 195 طفلا آخر كانوا في وضعية صعبة. العقبات التي تواجه دور الرعاية البديلة أو مؤسسات الرعاية البديلة في موريتانيا:

     أما عن العقبات التي تواجه دور الرعاية البديلة أو مؤسسات الرعاية البديلة في موريتانيا، أضاف السيد: عبد الرحمن: أما عن العقبات:

1-    على المستوى البشري: نقص الطاقم المختص من مدرسين، ومنعشين، و حضانين في المجال الاجتماعي والنفسي والخدمة الاجتماعية المرتبطة مباشرة بتأهيل هذه الفئات والتعامل معها، إذ يوجد فقط بعض الأخصائيين الاجتماعيين، وكذلك بعض الراعيات المربيات الخاصة بدور الحضانة (مثل: الحدائق).

2-    على مستوى الدراسات: غياب دراسات وافية حول الفئات التي تستهدفها هذه المؤسسات، والسبيل إلى تطوير هذه المؤسسات، وعلاج الظواهر المرتبطة بدور هذه المؤسسات.

3-   على مستوى البنية الصحية: تفتقد مؤسسات الرعاية القليلة الموجودة للبنى التحتية من مراكز إيواء و دور؛ إذ توجد بنايات غير مؤهلة أصلا لهذا الدور من الناحية الهندسية، بحيث تشمل أجنحة الإيواء، والفضاء الترفي والرياضي والثقافي.... إلخ.

4-   ضعف المخصصات المالية الموجهة من طرف الدولة لهذه المؤسسات، ونقص الدعم المالي من طرف المؤسسات الدولية، وكذلك المنظمات غير الحكومية العالمية.

الحلول المطلوبة

ولاجتياز العقبات الموجودة: أضاف الخبير الاجتماعي السيد /عبد الرحمن: يجب توفير:

§         الدعم بالمصادر المالية، في توفير بنى تحتية لدور حضانة الأيتام، وأطفال الشـوارع والجانحين، وكذلك للحضانات الأهلية خاصة في القرى والأرياف. ويعتبر الوسط الحضري (مثل مدينة انواكشوط) محتاجا لهذا الدعم. §         تكوين المتخصصين في المجال الاجتماعي والنفسي، ( من أشخاص اجتماعيين، ومدرسين في مجال التربية الخاصة، .... إلخ).

§         دعم الأسر الفقيرة، والتي ينحدر منها هؤلاء الأطفال.

§         دعم الجهاز التعليمي بأطر متخصصة في المجال الاجتماعي، تعمل بالمؤسسات التعليمية؛ للحد من ظواهر تسرب الأطفال من المدارس وتشردهم.

§         العمل على تنسيق جميع الجهود المبذولة في هذا المجال على المستوى الرسمي والأهلي.

وأخيرا، لا بد  لي  أن أدلي برأي الشخصي  المتعلق بظاهرة الأطفال اللقطاء بوصفي  خبيرا اجتماعيا، ورئيسا  لمصلحة حكومية  معنية  بالرعاية  البديلة. تشهد هذه الظاهرة تناميا داخل المجتمع الموريتاني، خاصة في الوسط الحضري؛ حيث يتابع المركز الآن حوالي 233 طفلا لقيطا وجدوا منذ 2001 ـ حتى 2008 على مستوى مدينة انوكشوط، وتعتبر مقاربة دمج الأطفال من هذا النوع من أسر بديلة مقاربة جيدة، وتتماشى وطبيعة النظام الاجتماعي الموريتاني. و يجب توجيه دعم للأسر الفقيرة ودمج الفئات في التكوين المهني ( مشاريع سسيو اقتصادية للفئات الضعيفة من المجتمع خاصة). وبعد هذا الحديث الذي ضمنه الدكتور عرضا عن الرعاية البديلة وأنماطها، وأدلى فيه  بوجهة نطره كخبير اجتماعي، وكقيم على مركز دمج وحماية أطفال  المؤسسة الحكومية  الوحيدة بالبلد، ويعبر عن الرأي الرسمي، قمنا بالاتصال ببعض جمعيات المجتمع المدني:

المجتمع المدنــي جمعية الأطفال والتنمية في موريتانيا

وكان لنا لقاء  مع السيد محمد الأمين ولد أحمد  سيفر، وهو رئيس جمعية الأطفال والتنمية في موريتانيا، وفي مستهل حديثه عن الرعاية  البديلة في  موريتانيا  قال: "إن  مؤسسات الرعاية البديلة  في  موريتانيا ما زالت  جديدة، وفي طور النشأة".  ويرى أن الرعاية البديلة أمر لا مناص  منه  في  المجتمعات  المعاصرة؛ نتيجة لكثرة العوامل التي تؤدي  إلى  الحاجة إليها،  فنحن ـ يقول ولد أحمد سيفر ـ نرى أن  الرعاية البديلة هي كل رعاية تهدف إلى تعويض النقص الحاصل. وجمعيتنا  ـ جمعية  الأطفال والرعاية في موريتانيا ـ تقوم بهذا الدور؛ فهي تقوم بتأهيل وإعادة تأهيل ودمج الأطفال في  النسيج  الاجتماعي،  من خلال مراكز استماع و استقبال و إيواء،  تمكن  من تقديم  الخدمات الملائمة للطفل في مختلف الجوانب التربوية والنفسية والصحية والغذائية والاجتماعية، التي تتوج عادة بالعودة الناجحة إلى البيت أو الحياة النشطة أو هما معا، وتسمى هذه العملية بعملية التكفل. ونظرا لانتشار الظاهرة؛ قامت جمعيتناـ  وهي جمعية الأطفال و التنمية التي أسستها مجموعة من الأطر الموريتانيين سنة 1998م ـ بقصد مواجهة مشاكل التنمية ذات الصلة بالطفولة. وورثت الجمعية مشروع " أطفال الشارع" عن جمعية كاريتاس موريتانيا، ضمن اتفاق إطار شراكة استمر لبعض الوقت، ثم أصبحت الجمعية تهتم بظاهرة الأطفال في الحالات الصعبة كمفهوم أشمل. ومقر الجمعية الرئيسي في انواكشوط،  حيث تملك مركزا للاستماع، ومركزا للاستقبال والإيـواء. تشغل الجمعية قرابة أربعين شخصا من مختلف التخصصات، ولها علاقات طيبة بشركاء أجانب، مثل: "Save th children"   حماية الطفولة – وبلدية مدرية المستقلة Cammunided de Madd  ، ووكالة كاتالان للتعاون والتنمية  -  A.C.C.D: -وكالة مسيحية -. وتمكنت الجمعية من تأهيل الكثير من الأطفال. وهي ترتاح لرؤية الكثير منهم وقد أصبحوا أطباء وأساتذة اليوم. ولسمو هدف الجمعية؛ ونظرا لسجل الإنجازات  ـ على حد قول ولد أحمد سيفر   ـ التي حققتها الجمعية؛ يمكننا أن نقول إنها حققت نسبة كبيرة، رغم العوائق الجمة كنقص الوعي الاجتماعي، وضعف الإمكانيات والوسائل. ومن هذه المعوقات كذلك:

§         ضعف التعاون بين المؤسسات المعنية بالظاهرة. §         ندرة المختصين في ميدان التربية والطفولة. §         كثرة شروط الشركاء الدوليين وعدم براءتها. §         شح في الدراسات والمراجع المتعلقة بالموضوع.

ويضيف السيد رئيس الجمعية: للتغلب على هذه المعوقات يجب القيام بعمليات تحسيس واسعة ومستديمة من جميع الشركاء ( تربويين- إعلاميين ـ سلطات عمومية إلخ..) حول أهمية الرعاية البديلة وأهدافها النبيلة. وكذلك:

§         مساهمة الدولة والخصوصيين الخيرين والمؤسسات الدولية في دعم وتمويل النشاطات المبرمجة للجمعيات العاملة في الميدان.

§         تكوين الكادر البشري لهذه الجمعيات لأداء الدور المنوط به.

§         انتقاء الشروط المعقدة، واحترام الخصوصيات الدينية للشعوب عند إبرام عقود الشركة مع الممولين.

§         توفر الدراسات والمراجع المتعلقة بالموضوع. أما بخصوص الجانب القانوني، فالنصوص القانونية الموريتانية المتعلقة بالطفولة وصلت درجة متقدمة، إلا أن النقص الحاصل يكمن في الوعي والتطبيق.

الجمعية  الموريتانية للرعاية و لترقية المعاقين

وفي إطار إعداد هذا الملف قمنا بالاتصال بالسيد  بانم ولد لمرابط ـ رئيس  الجمعية  الموريتانية  للمعاقين عقليا،  ورئيس  مركز  التكفل  الصحي  والتربوي ـ وسألناه عن تقييمه  لأداء  مؤسسات  الرعاية  البديلة،  فأجاب قائلا: "أولا أقول إن الصعاب جمة، و لكن  الإرادة  القوية  موجودة.  فعلى الرغم  من حداثة  مؤسسات الرعاية  و قلتها  فإنها تلعب  دورا لا يخـفى  على أحد في مجال تعويض النقص الحاصل عن الرعاية الأصلية.  والذي أعرفه أنا  جيدا  هو جمعيتنا ـ الجمعية  الموريتانية للرعاية و لترقية  المعاقين ـ.  ولهذه  الجمعية  مركز يهتم  بالرعاية  البديلة يدعى  مركز  التكفل  الصحي والتربوي،  وهو إضافة  إلى كونه  يقوم  برعاية نزلائه  من المعاقين و الأسوياء، يوفر إطار  التدريبات  العلمية، و التكوين  المستمر، والبحث،  والعمل  مع هيئته  للتربية  المكيفة التي تدعى  المدرسة  الخاصة،  وتستقبل  المعاقين  من 5  إلى 30 سنة، والأسوياء من 5 إلى 18 سنة. وقد اعتمدنا مقاربة دمج الأسوياء مع المعاقين. وهذا المركز يعتبر من أهم  إنجازات  الجمعية، وتجسيدا  لأحد أهدافها التي منها إضافة إلى ضمان تربية  الأشخاص  المعاقين عقليا  والأطفال الأسوياء  بواسطة   التهذيب  الخاص و الإدماج و العمل: تطوير  وتنمية  الأنشطة  الترقوية؛  بغية  إعادة التأهيل  والدمج  الاجتماعي،  مع إعطاء  الأولوية  للأطفال والمراهقين  القاصرين عقليا  من كلا الجنسين. ومن أهدافها ـ أيضا ـ إشعار أصحاب النوايا الحسنة و المجتمع  المدني حول شرعية وعدالة ووجوب التكفل برعاية المعاقين  وترقيتهم، وكذا توفير الرعاية  البديلة  للأطفال من الفئات المعنية. وقد قمنا بمسح حول المعاقين  عقليا  في  نواكشوط 95. واستقبال و إيواء  تلاميذ نصف  الداخلين يتراوح  عددهم  30 طفلا  ومراهقا  قاصرين  عقليا، و أطفالا أسوياء. كما قمنا باكتتاب  وتكوين  ميداني  لستة مكونين: مستوى  الباكلوريا، وشهادة  الدروس  الجامعية العامة، والمتريز. ومنها: التحسين  الفعلي  لقدرات  تسيير و تنظيم بنية  التنفيذ، سواء كان هذا على  المستوى  الداخلي  أو على  المستوى  الخارجي". وأضاف السيد بانمو:"إن الجمعية  منتسبة للفيدرالية  الإفريقية  لجمعيات  الأشخاص  المعاقين،التي  أصبحت  تعرف  اليوم  بالجمعية  الدولية  للبحث  العلمي لصالح  المعاقين". وعلى الرغم  من ذلك  كله  فإن الجمعية، و على غزارها  الجمعيات  العاملة  في  المجال،  تعاني  كثيرا من المعوقات  التي  تقف  أمامها  لإنجاز  ما هو مطلوب منها:  العائق  الأول  يتعلق  بعقلية  المجتمع و نظرته  إلى أطفال  الرعاية  البديلة و الأطفال  المعاقين. والعائق الثاني ضعف الموارد المالية: فعلى  سبيل  المثال،جمعيتنا  هذه تعاني من ندرة الشركاء. صحيح أن المنظمات الغربية تتدفق  عليها، إلا أن هذه  المنظمات  غالبيتها تكون عندها أغراض  تنصيرية، وهذا  ما نرفضه رفضا باتا. وعلى كل  حال هناك منظمات تتعاون معنا منذ  نِشأة المنظمة،  لكنها  تضع شروطا صعبة لا مناص لنا  من قبولها؛ لأنه  لا يوجد بديل آخر عنها، فنحن  نتطلع إلى وجود شركاء من الدول  العربية و الإسلامية؛  ذلك  أن المسلمين لا يبتغون بفعلهم إلا الخير والإحسان ابتغاء لمرضاة  الله ـ عز وجل ـ. ونحن الآن  ما زالت لنا ارتباطات ببعض  المنظمات، مثل:  المؤسسة الهولندية للرعاية،  و ACCSI  وهي الجمعية  الكنارية  للتعاون والتضامن  الدولي، ومنظمة أخرى أنهينا عقدا معها، وهي : ACCFD  لأسباب غير واضحة،  وهي اللجنة  الكاتولوكية لمحاربة  الفقر و التنمية. هذا على مستوى الشركاء، أما على  المستوى  الداخلي  فإن  موارد  الجمعية  تأتي  من:

§         اشتراكات الانتساب، أو تبرعات أعضائها.

§         المشاريع  الصغيرة و الاستثنائية  المحققة  في  إطار  أنشطتها.

§         مساهمة أو مساندة الدولة.

§         مساهمات وهبات ووصايا من أصحاب النوايا الحسنة ومنظمات دولية ذات الاختصاص الإنساني.

وعلى كل حال، فإننا نستشرف المستقبل. وأقول إنه مهما عظمت الصعاب أمامنا فإرادتنا قوية، و أملنا في الله ـ عز وجل ـ كبير. نعتقد أن  أصحاب  الإحسان كفاهم شرفا وسعادة أن الله ـ عز وجل ـ قال:  ( إن الله يحب المحسنين). و نعتقد أن المنفقين في  سبيل الله  لا يزالون  يرغبون في إيجاد  خلف لما يقومون به من إنفاق. إننا نأمل ونتطلع  إلى المحسنين  في الدول  العربية و الإسلامية، راجين من الله أن يزيدنا ويزيدهم إحسانا ... وأرجو أن تسمحوا لي عدم إعطائكم  المزيد  من الوقت؛  وذلك لانشغالات جمة.  أرجو من الله لموقع  وكالة وطني للانباء الخيرو الازدهار، وذلك للدور الرائد الذي يلعب  في  ربط  المحتاجين بالمحسنين، وذلك من خلال  تغطية عمل الخير. كما أن هذا  الفعل  الحميد يشجع  أصحاب الخير على  المزيد من فعل الخير".

الجانب التربــــوي

   أما عن الجانب التربوي في مؤسسات الرعاية البديلة،  فقد سألنا عنها السيد  الطبيب ولد بمب ـ أستاذ تربية وعلم النفس بجمعية الأطفال و التنمية ـ فأجاب قائلا: "إن مؤسسات الرعاية البديلة الموجودة  تفقد التربويين المختصين؛ مما ينعكس سلبا على الأطفال،  فهذه  المؤسسات لها آثار على نمو وتطور نزلائها، وقد يؤدي ذلك إلى تأخرات نمائية شديدة، ضعف في الصحة  البدنية، و الأضرار  النفسية   الطويلة  المدى، فهذه المؤسسات قد تزيد من انعزال الأطفال، و قد تعوق تطوير مهاراتهم  الاجتماعية. و هذه المخاطر تتضاعف على الأطفال الأصغر سنا (3-4) سنوات؛ ذلك أنها فترة حرجة، و عليه  فإنه  يلزم  مؤسسات  الرعاية  البديلة  في  موريتانيا أن تتقدم  بالطلب للجهات  المعنية  لتكوين تربويين  قادرين  على القيام  بما يلزم، كما أنه يجب  العمل  على إحداث  تحول سريع  في  الثقافة الشعبية القاسية حيال  الأطفال  الذين يحتاجون إلى الرعاية  الوالدية  البديلة.  إن الرعاية  البديلة سلاح ذو حدين في  المجال التربوي؛ فهي قد تكون وسيلة لتمتين العلاقة  داخل  المؤسسات  الاجتماعية (الأسرة). كما أنها يمكن  أن تكون  وسيلة للقطيعة على مستو ى العلائق  الاجتماعية، وعليه  فإنه  يجب  على مؤسسات  الرعاية أن تقوم  أولا بربط  الطفل  بمحيطه  الاجتماعي، ولو لم تبق له إلا قرابات  بعيدة، مثلا  نحن  في  جمعية  الأطفال و التنمية  نقوم أولا بـ: تسجيل  الأطفال  الذين  لا يزالون  في  سن  التمدرس  في  المدارس، ونقدم دروس  محو الأمية  للذين تجاوزت أعمارهم سن  التمدرس،  وكذا أهليهم،  كما أننا نوجههم  إلى مراكز  التكوين  المهني، ونتابع مسيرتهم، علاوة  على  ذلك ننظم دروسا للتقوية  للذين تثبت  النتائج أن لهم الحاجة إلى ذلك".

    وقد سألنا الأستاذ أحمد ولد عبد الله ـ أخصائي الأمراض النفسية ـ عن الانعكاس السلبي لمؤسسات الرعاية البديلة  على الأطفال،  فاعتبر أن رعاية الأسر البديلة أحسن من مؤسسات الإيواء, قائلا: "أنا أفضل رعاية الأسر البديلة؛ ذلك أن مؤسسات الرعاية تقسم نزلاءها إلى مجموعات، وكل مجموعة يتولاها مشرف أو مشرفة،  ويكون أو تكون مشتتة بين هؤلاء الأطفال، لا يعطوهم الرعاية الكافية؛ مما تتسبب عنه مشكلات نفسية للأطفال".

الجانـــب القانــوني

    أما في ما يتعلق  بالإطار  القانوني  لمؤسسات  الرعاية  البديلة في موريتانيا، فقد التقينا الأستاذ  محمد يحيى الطيب الخرشي ـ خبير في القانون، محام لدى المحاكم الموريتانية، وأستاذ قانون بجامعة نواكشوط ـ. وفي مستهل حديثه لنا قال: "إن موريتانيا  لديها قانون تحريم استغلال الأطفال، والأمر القانوني المتعلق بالحماية الجنائية للأطفال، ومدونة الأحوال الشخصية التي تضمن للأطفال كثيرا من الحقوق، خاصة تلك المتعلقة بالنفقة والحضانة". وأضاف: "إن موريتانيا موقعة على اتفاقية حماية الطفل، التي تحدد المعالم الأساسية للتعامل مع الأطفال على أنهم ذوات مستقلة وأصحاب حقوق". ونظرا لدور  الحكومات  كمسؤول أساسي عن توفير هذه الحقوق  وحماية  الأطفال ودعمهم، كانت حماية الطفل  في موريتانيا خاضعة لقواعد القانون العام المدني و الجنائي، إلى أن جاء القانون رقم: (15/2005) بتاريخ  05 ديسمبر 2005،  الذي تضمن الحماية الجنائية للطفل، هذا بالإضافة إلى ما تضمنه قانون الأسرة في جوانبه المتعلقة بالحضانة و النفقة والرعاية. وأهم القواعد المتعلقة بالطفل أن تجعل مسؤوليته الجنائية أخفض في حالة ارتكاب  أفعال  جنائية؛ فالأطفال ما بين 7 إلى 15سنة يخضعون لإجراءات الحماية،ويترتب عن ذلك أن لهم محكمة خاصة تسمى محكمة  الجنح  الخاصة  بالقصر،  ولهم سجن  خاص  على شكل  مركز رعاية وتأهيل. وأهم حماية للطفل هي حمايته في حياته وسلامته البدنية و النفسية، التي حددتها  المواد 6، 7، 8، 9، 10، 11، 12، وتحوي عقوبات  رادعة مشددة بهدف حماية  الطفل أكثر،  كما حددت مواد  أخرى  عقوبات  على التعرض للأطفال ومنعهم  من الرعاية  بتكليفهم   بأعمال  لا تتناسب معهم. وأضاف  الأستاذ  محمد يحيى  الطيب أن هناك  مسؤولية قانونية  تتدرج من  الأسرة إلى  السلطة  إلى المجتمع؛  فالأسرة  إن كانت  للطفل أسرة  لها مسؤولية  شاملة  وعامة  من حضانته، وإنفاقه، وإعالته،  وهذه  المسؤولية  تتحملها ـ أيضا ـ السلطة  بوصفها صاحبة المسؤولية  العامة  عن المجتمع، إما بإرغام  الأسرة  المتخلفة عن دورها  على القيام  بواجبها، أو مساعدتها  في حالة عجزها عن طريق  الدعم  الاجتماعي.  ويصبح  المجتمع  مسؤولا  عن  الطفل الذي لا أسرة  له عن  طريق  مؤسسات الرعاية  البديلة.  وبالنسبة  للسلطة،  فإنها  مسؤولة  عن تطبيق  القانون، وعن الأمن  الاجتماعي، و تظل  هي  المسؤولة أولا عن رعاية  الطفل. وعلى كل حال، فإن هذه المؤسسات يجب أن تعطى لها عناية كبيرة، سواء تعلق الأمر بالنصوص المنظمة لها أو على مستوى تسييرها إداريا وتربويا.

موقف الشرع من مؤسسات الرعاية البديلة

    وعن موقف الشرع الإسلامي من الرعاية البديلة، سألنا فضيلة القاضي الشيخ سيد محمد ولد ابابي ـ قاض متقاعد ، وإمام مسجد الإيمان-توجونين- بانواكشوط  ـ فأجاب: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، لقد أوجب الإسلام على الدولة والمجتمع رعاية الأيتام واللقطاء رعاية كاملة، وتشمل الرعاية الحضانة أو الكفالة، أو الإقامة في مؤسسات مناسبة لرعاية الأطفال. إن حق الطفل في الرعاية الوالدية سواء كانت أصلية أو بديلة يدخل ضمن حزمة الحقوق ذات الأهمية المتميزة في التشريع الإسلامي؛ لأنها تدخل ضمن مجموعة الحقوق التي  هي مطالب بها من جهة العموم، ذلك أن الطفل ليس من أهل التكليف، كما أنه  ليس من أهل الولاية على غيره أو على نفسه، ومن ثم فإنه لا يقدر على أن يطالب بحقه, أو يحافظ عليه. مما يحتم على المجتمع القيام بحقوقه في الرعاية البديلة، أفراد  المجتمع يأثمون جميعا ولا تبرأ ذممهم إلا إذا قاموا بهذا الحق جميعا مقدما. لقد أهتم الإسلام بأمر الأيتام ومن في حكمهم من الأطفال اللقطاء أو مجهولي الأب، وأحاطهم بالرعاية، وأقر لهم من الحقوق ما يضمن لهم حياة كريمة واستقرارا نفسيا واجتماعيا، ومن هذه الحقوق التي كفلها الإسلام للأطفال بشكل عام وللطفل اليتيم ومن في حكمه بشكل خاص، الحق في الحياة، وهذا الحق من أبرز ما كفلته الشريعة الإسلامية للطفل؛ حيث كان وأد البنات منتشرا في الجاهلية خشية العار، إضافة إلى قتل الأولاد، فحرم الإسلام ذلك، وشدد عليه، قال تعالى:  (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا) [الإسراء الآية 31]، وأخرج البخاري ـ رحمه الله ـ عن المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه ـ أنه قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم : "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات. وكره لكم القيل والقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال". (رواه البخاري ). وبهذا قرر الإسلام حقا ثابتا للطفل، وهو حقه في الحياة الذي لا يحل انتهاكه بأي شكل من الأشكال، وبخاصة للطفل اليتيم أو الطفل  اللقيط؛ بل هذا الحق متقرر لمن كان مجهول النسب بشكل أكبر. و حق النسب، فلقد حرم الإسلام التلاعب بالأنساب, أو محاولة انتساب الطفل لغير أبيه, ورتب على ذالك العقاب الشديد؛ فقد ثبت أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام). (رواه البخاري ). وبذالك ضمن الإسلام للطفل كان يتيما أو غيره انتسابا لأب والتصاقا بفئة ينتمي إليها، ولم يتركه هملا مجهولا في المجتمع. وكما قرر التشريع الإسلامي للطفل حق الانتساب فإن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجه باختيار الاسم المناسب للطفل؛ فدلنا على الأسماء المحببة إلى الله مثل: عبد الله، وعبد الرحمن، وكذالك أسماء الأنبياء, كما أرشدنا إلى ترك بعض الأسماء غير المناسبة. أما حق الولاية: فهو حق للأطفال, وبخاصة للأيتام ومن في حكمهم من اللقطاء، مقرر من حيث: ولاية الحضانة، وولاية النفس. أما الحضانة فيكون الدور فيها للنساء: وهي تربية الطفل ورعايته في الفترة التي لا يستغني فيها الطفل عن النساء. والنساء أحق بالطفل, مع تقديم الأم في حق الحضانة لطفلها دون سواها من النساء  متى توافرت فيها شروط أهلية الحضانة؛ وذلك  أخذا من الحديث الذي يرويه عمرو بن العاص – رضي الله عنه – أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قضى أن المرأة أحق بولدها ما لم تتزوج (رواه أحمد ). أما وقت الحضانة فيكون من ولادة الطفل إلى بلوغه. وإن لم يكن للطفل أحد من الأقارب فالسلطان وليه، وله الحق في إسناد رعايته إلى من يقوم بحفظه، وإلا انتقل الواجب إلى الدولة من خلال الدور الإيوائية أو المؤسسات. وأما ولاية النفس فالمقصود بها: التأديب والتربية والتوجيه والإرشاد بعد انتهاء فترة الحضانة، وهذه الولاية خاصة بالرجال دون النساء؛ لما جبل الله عليه الرجال من القوة والشدة أكثر من النساء. ولقد حث الله ـ عز وجل ـ الآباء على القيام بتربية أبنائهم في قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) [التحريم: 6]. أما الولاية على المال فتقضي المحافظة على أموال الطفل اليتيم بخاصة؛ لكونه عديم التجربة في الحياة". وأضاف الشيخ سيد محمد ولد ابابي: "هناك  حق الرحمة، وهذا الحق يستحقه اليتيم على أساس أنه صغير لم يرشد بعد؛ ففي التشريع الإسلامي توجيهات متواصلة برحمة الصغير، والعطف عليه، والأخذ بيده، فعن عبد الله بن عمر بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "من لا يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا، فليس منا" (رواه البخاري). ولقد تعجب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الصحابي الأقرع بن حابس التميمي عندما قال للرسول: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا. وذالك عندما رأى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقبل الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:"من لا يَرحم لا يُرحم" (رواه البخاري). ومن الواضح أن للشرع الإسلامي توجيها واضحا فيما يتعلق بكفالة حق الطفل في الرعاية الوالدية البديلة, وذلك حين شرع جملة من الوسائل الشرعية التي تؤدي إلى تحقيق مقصودها، وهذه الوسائل هي كما قلنا: الإقرار بنسب الطفل مجهول النسب، والرضاع, وكفالة اليتيم. وهذه الوسائل إن توفرت بشروطها على المستوى الفردي وإلا أصبحت الرعاية الوالدية البديلة حقا من الحقوق المترتبة على الدولة.

وقال فضيلة القاضي الشيخ سيد محمد: "إن كفالة اليتيم يترتب عليها الثواب والأجر الجزيل: فقال ـ صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهذا. وأشار بالسبابة والوسطى، و فرج بينهما شيئا". رواه البخاري. وأما الإحسان إلى اليتيم فهو متعين كما هو للوالدين ولذي القربى، كما قال تعالى: (أرأيت الذي يكذب  بالدين  فذلك الذي يدع اليتيم  ولا يحض على طعام المسكين) [الماعون :1-3]،  وقال تعالى:  (فأما اليتيم فلا تقهر ) [الضحى آية 9]. وأنبه هنا إلى الفرق الكبير بين الكفالة و التبني؛ فقد حرم الله التبني؛ منعا لاختلاط الأنساب، فقال تعالى: (ادعوهم لآبائهم) [الأحزاب من الآية 5ٍ].

أما الكفالة ففيها يحتفظ اليتيم باسمه كاملا". وأضاف قائلا: "لا بأس من مؤسسات الرعاية البديلة إذا كانت تقوم بما يلزم من رعاية صحية و تعليمية. مع أن الأسر البديلة أفضل إذا لم تعتمد التبني. و الذي أريد أن أقوله في الختام أن الإسلام أعطى حق الكفالة لليتيم، كما أن الإسلام كان سباقا في احتواء اللقطاء، ومن ذلك أن عمر ـ رضي الله عنه ـ كان إذا أتاه لقيط فرض له مئة درهم، وفرض له رزقا يأخذه وليه كل شهر. وكان المسلم المجهول النسب لا يجد غضاضة في أن يعلن ذلك، كما روى الطبري في قصة أبي بكرة ـ نفيع بن الحارث ـ كما يسميه رجال الحديث، أنه قال: « أنا من لا يعرف أبواه،  فأنا أخوكم في الدين ومولاكم ».

وأخيرا، فإن مؤسسات الرعاية البديلة  في موريتانيا ما زالت قليلة  وقاصرة عن أداء العمل المنوط بها، وهي محتاجة إلى  دعم من  المحسنين الذين يعملون  على نفع الناس وإدخال السرور على أنفسهم، وكشف كربهم،  مبتغين محبة الله تعالى، قال ـ صلى الله عليه وسلم : "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله  - عز وجل- سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة". (رواه الطبراني). 

 

رتل القرآن الكريم

إعلان

إعلان

فيديو

الجريدة

إعلان